13

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

خپرندوی

دار الفكر العربي

لا نستطيع أن نحصى الينابيع التي استقى منها، ولا أنواع الغذاء العقلي الذي تغذى بها عقله، فأنتج ما أنتج، ووصل إلى ما وصل إليه.

وسواء أعلنا على وجه اليقين ذلك أم لم نعلم، فمن المؤكد أن المجموعة العلمية التي سجلها التاريخ لابن تيمية في سجل الخلود هي فريدة في بابها، لم يكن في نهجه فيها تابعاً مقلداً أو حاكياً، بل كان مستقل الفكر الذي لم يحاك أحداً سبقه في كتابته، وإن كان لكل ماسبق من آثار علمية دخل في تكوينه الفكري والعلمي، فهو وإن كان قد تغذى من علم السابقين، قد أتى بأمر هو خلاصة ما انطبع في نفسه، واستقام في فكره، كالجسم يتغذى من كل غذاء، ثم يكون من ذلك مزيج فيه كل العناصر التي تغذى منها. ولكن له خواص تجعله ليس واحداً منها، وليس على شاكلة أي واحد منها، وكذلك كان ابن تيمية رضي الله عنه.

وسنحاول أن نبين ذلك ما استطعنا إليه سبيلا.

١١- هذه إحدى الصعوبات التي تعترضنا عند دراسة ذلك العالم الجليل، وهناك صعوبة أخرى، وهي عصره، فعصره امتاز بكثرة الأحداث، وتواليها وتعدد أنواعها، فدول الإسلام قد انحلت إلى دويلات صغيرة، كان بأسها بينها شديداً، كل واحدة تنتهز الفرصة للانقضاض على الأخرى، وصار الملك عضوضاً، ولم يعد له قرار ثابت، فتعددت الأسر المالكة، وتعدد المتنافسون عليه، وكل رامه، وكل ذي جند أراده، فتزلزل السلطان، واضطربت الأمور، وصارت الشعوب الإسلامية نهباً مقسوماً للمتنافسين من طلاب الملك والمتنازعين فيه.

حتى إذا أغار الصليبيون على عقر الإسلام، وراموه بسوء وجد من الملوك ذوي الغيرة في مصر والشام من صدوا جموعهم، ولم يطمئن المسلمون قليلاً حتى انتال عليهم التتار انتيالاً، وكأنهم يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون، وكانت الفرق التي تعمل في الباطن قد أخذت تدس للجماعة ما يزيدها انقساماً، وتجعل الخلاف أشد احتداماً. ولو تجاوزنا الآفاق واتجهنا إلى الأندلس جنة الإسلام

12