7
وهناك ما تجد إيضاحا لما كان يدور في ذهن مؤلفنا، عندما تكلم في مادة الأحكام ووجوهها، فأما مادة الحكم، فهي ما هو صحيح في الحقيقة حول نسبة المحمول إلى الحامل. وأما الوجه فهو ما يفكر فيه حول هذه النسبة، وتكون المادة والوجه ضروريين أو غير ممكنين أو ممكنين، وهكذا فإن لفظة الحيوان المعطاة مثل محمول للإنسان تؤلف حكما مادته ضرورية؛ وذلك لأن الإنسان حيوان على الإطلاق وفي كل وقت، ولكنني إذا ما عبرت عن الحكم بالشكل القائل: قد يكون الإنسان حيوانا، فإن وجه الحكم يكون ممكنا مع كون مادته لا تنفك تكون ضرورية، ويميل هذا المثال إلى إثباته كون مقدمة مفاهيم الطبيعيات وما بعد الطبيعة حول المادة والصورة في المنطق هي على شيء من الزيادة.
وقد أشار ابن سينا في أثناء دراسته للأحكام إلى خاصية طريفة، أو خاصيتين في اللغة العربية؛ وذلك أنه عندما يتكلم مثلا عن بعض القضايا السيئة التعيين فلا يعرف هل الحامل - كالرجل - قد أخذ بمعنى كلي أو جزئي، فلاحظ أن هذا لا يمكن أن يكون في العربية، والواقع أنه يعرف في هذه اللغة، بما لا شك فيه، وذلك بحرف التعريف أمام كلمة «الرجل»، كون المقصود هو الرجل كليا، فإذا نون الاسم فقيل: «رجل» قصد رجل جزئيا.
وإليك مثالا ممتعا آخر اقتطفناه من قسم المنطق هذا؛ فهو يصلح لإثبات الدقة التي تسود هذا السرد كله، فلا نود أن نوكده على شكل آخر:
8 «أنت تعلم - على اعتبار ما سلف لك - أن الواجب في الكلية السالبة المطلقة الإطلاق العام الذي يقتضيه هذا الضرب من الإطلاق، أن يكون السلب يتناول كل واحد واحد من الموصوفات بالموضوع الوصف المذكور تناولا غير مبين الحال والوقت، حتى يكون كأنك تقول: كل واحد واحد مما هو «ج» ينفي عنه «ب» من غير بيان وقت النفي وحاله، لكن اللغات التي نعرفها قد خلت عن استعمال النفي الكلي على هذه الصورة في عاداتها، واستعملت للحصر السالب الكلي لفظا يدل على زيادة معنى على ما يقتضيه هذا الضرب من الإطلاق.
فيقولون بالعربية: لا شيء من «ج» «ب»، ويكون مقتضى ذلك عندهم أنه لا شيء مما هو «ج» يوصف البتة بأنه «ب» ما دام موصوفا بأنه «ج»، وهو سلب عن كل واحد واحد من الموصوفات ب «ج» ما دامت موضوعة له إلا أن لا توضع له، وكذلك ما يقال في فصيح لغة الفرس، هيج «ج» «ب» نيس، وهذا الاستعمال يشمل الضروري وضربا واحدا من ضروب الإطلاق الذي شرطه في الموضوع، وهذا قد غلط كثيرا من الناس أيضا في جانب الكلي الموجب، لكن السالب الكلي المطلق بالإطلاق العام أولى الألفاظ به هو ما يساوي قولنا: كل «ج» يكون ليس ب «ب»، أو يسلب عنه «ب» من غير بيان وقت وحال، وليكن السالب الوجودي وهو المطلق الخاص ما يساوي قولنا: كل «ج» ينفي عنه «ب» نفيا غير ضروري ولا دائم، وأما في الضرورة، فلا بعد بين الجهتين، والفرق بينهما أن قولنا: كل «ج» فبالضرورة ليس ب «ب» يجعل الضرورة لحال السلب عند واحد واحد.
وقولنا: بالضرورة لا شيء من «ج» «ب» يجعل الضرورة لكون السلب عاما ولحصره، ولا يتعرض واحد لواحد إلا بالقوة، فيكون مع اختلاف المعنى ليس بينهما افتراق في اللزوم، بل حيث صح أحدها صح الآخر، وعلى هذا القياس فاقض في الإمكان.»
وقد قلنا آنفا: إن القياس المنطقي عند ابن سينا معتدل جدا، وليس لدينا أي قصد في الوقوف عنده، فمن السهل على القارئ أن يتمثل ما يكون القياس البسيط الحسن الترتيب المكتوب بلا ارتباك ولا إسهاب فعجل فيه، كما في المثال السابق، استعمال ملائم للحروف عرضا لحدود القياس، وأوضح ببعض الأمثلة القليلة، وقد أضيفت إلى دراسة القياس المنطقي دراسة التراكيب القياسية التي يسميها المؤلف بالقياسات المركبة.
وإنا نستخلص من هذا الفصل الأخير صفحة أخذناها اتفاقا للدلالة على أسلوبه،
9
ناپیژندل شوی مخ