ابن سينا فیلسوف
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
ژانرونه
أما أبناء الشقاوة الأبدية فهم فعلة الإثم؛ أي الذين كثر شرهم وعظم أذاهم في الدنيا والآخرة، ويشارك هؤلاء في الشقاوة الأبدية العلماء الذين يعرفون الكمال ويحنون إليه دون أن يتصفوا به.
وصفوة القول: إن النفوس الشقية يقوم شقاؤها بالالتفات إلى أحوال الدنيا، وتذكر مقتضيات البدن؛ لأنها تقاسي من جراء ذلك عذابات فادحة. أما الأنفس المقدمة فإنها تبتعد عن أعمال الجسد وتتصل بكمالها بالذات، وتنغمس في اللذة الحقيقية، وتتبرأ عن النظر إلى ما خلفها وإلى المملكة التي كانت لها كل التبري.
فيتضح مما تقدم أن السعادة الحقيقية في مذهب الشيخ الرئيس، سواء كانت في هذه الدنيا أو في الآخرة ، هي قائمة بشيء نفساني لذيذ، وكذا الشقاوة فهي أيضا عذاب روحاني.
نحن لا ننكر أن الشيخ قد أخذ الشيء الكثير في نظريته هذه عن أفلاطون وأرسطو وأفلوطين وأستاذه الفارابي، ولكن قد أضاف إلى ذلك تعديلات قيمة منها: أن الفارابي كان يعتقد في مدينته الفاضلة أن أرواح أهل المدن الجاهلة التي انغمست في الشهوات والمادة تصير بعد انحلال الجسم إلى العدم كأنفس الحيوانات العجماء. أما ابن سينا فلم يقل بذلك؛ لأنه وجده يناقض المنطق؛ بل اكتفى بأن يحشر تلك النفوس في الشقاوة الأبدية.
إن الفارابي لم يتكلم عن سعادة وشقاوة الأنفس التي ليست ببارة وليست بشقية. أما الشيخ فقد وضعها في مكان تتطهر فيه قبل دخولها الجنة التي لا تعرف الدنس.
من هذا نعرف مقدرة المعلم الثالث على مزج النظريات العديدة وتعديلها حسب القواعد المنطقية التي يقرها العقل. •••
ولكي نطلع القارئ على أسلوب ابن سينا في وصفه السعادة الحقيقية، وكم يجب أن يعاني الإنسان في سبيل الحصول عليها نورد هنا قصة رمزية لطيفة دعاها فيلسوفنا رسالة الطير؛ ونظرا لأهمية هذه القصة وجمالها فقد نشرت مرات عديدة في العربية، وترجمها المستشرق الشهير الدكتور مهرن
Mehren
إلى الفرنسية، قال ابن سينا:
مقدمة
ناپیژندل شوی مخ