ابن سينا فیلسوف
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
ژانرونه
كما كان كل فاعل يفعل لغاية معلومة كان عموم سوق المعلولات إلى غاية على قدر عموم علية الفاعل الأول، وبما أن علية الله الذي هو الفاعل الأول تعم جميع الموجودات ، ليس من حيث المبادئ النوعية فقط؛ بل من حيث المبادئ الشخصية أيضا، لا في الأشياء غير الدائرة فقط؛ بل في الأشياء الدائرة أيضا، كان لا بد أن تكون جميع الأشياء الموجودة بحال من الأحوال مسوقة من الله إلى غاية؛ فإذن لما لم تكن عناية الله إلا سبب سوق الأشياء إلى غايتها، فلا بد أن تكون جميع الأشياء خاضعة لها من حيث هي مشتركة في الوجود، وبوجيز العبارة إذا كان الله هو علة جميع الأشياء المباشرة، وكان يعرف جميع الأشياء كليها وجزئيها مباشرة، كان عليه ولا ريب وهو الحكيم السامي أن يعتني بجميع الأشياء مباشرة. وهذا واضح حتى إن ابن سينا نفسه قد أقره في غير فلسفته، أو أنه أقره في حكمته، ولكن بطرق مبهمة شأنه في سائر نظرياته.
وأخيرا كم يلذ لنا أن نختم هذه العجالة بكلمة رائعة فاه بها مؤسس مجلة المقتطف المأسوف عليه الدكتور يعقوب صروف اللبناني، قال - أجزل الله ثوابه:
من الناس من يقول: «إن الله معتن بالأمور الكبيرة، ولكنه لا يلتفت إلى الصغيرة.» فلو صح زعمهم وترك صغار الأشياء لترك الجراثيم نفسها؛ لأنها من أصغر ما يوجد، ولو تركها سنة واحدة لخرب نظام العالم، وصار الإنسان يزرع أرضه قمحا؛ فتنبت له عقارب، وينصب كرمه عنبا فيخرج له حيات، ويتزوج بامرأة فتلد له جنادب، ويركب على فرس؛ فيستحيل تحته ضفدعا ... لو بطلت العناية لحظة من الزمان تعذر علينا أن نعرف مصير هذه الجراثيم. فتأمل وتدبر.
الفصل الثاني عشر
دخول الشر للعالم1
لا بد للمتبصر من أن يسلم بوجود الخير والشر في العالم، ألا نرى مثلا أن الأمطار في شهر أيار هي حياة للمزروعات وخيرات للبشرية؟ ولكن إذا هطلت على سائح في صحراء مقفرة مجدبة فهل يعتبرها هذا الإنسان خيرا سكبته عليه العناية الإلهية؟
هذا ما لا نظنه؛ لأنه إن لم يكن معتادا شظف العيش وتقلبات الطقس يكابد آلاما مبرحة، وربما لقي حتفه؛ إذن ما هو الخير، وما هو الشر في نظر ابن سينا؟
إن الكمال المحض والخير المحض هو واجب الوجود؛ لأنه يملك تمام الوجود، وحق بكل معاني الحق، والشر بنفسه هو العدم؛ أي إن الخير هو ذاك الشيء التام الوجود الذي يشتاقه كل إنسان، والشر لا ذات له؛ بل هو إما عدم جوهر أو عدم صلاح حال الجوهر،
2
فيكون مثل الشر المانع للخير في العالم، مثل سحابة ظللت فحجبت شروق الشمس، قال ابن سينا:
ناپیژندل شوی مخ