Ibn Qayyim al-Jawziyyah and His Contributions to the Hadith and Its Sciences
ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها
خپرندوی
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م
د خپرونکي ځای
المملكة العربية السعودية
ژانرونه
المجلد الأول
مقدمة
...
ابن قَيِّم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها
تأليف: د. جمال بن محمد السيد
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [عمران:١٠٢] .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠، ٧١] .
أما بعد: فإن الله ﷿ أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على جميع الأديان، وَأَيَّدَهُ بالحجج القاهرة والمعجزات الظاهرة التي من أعظمها معجزة القرآن، وَتَكَفَّلَ - سبحانه - بحفظ هذا الكتاب الكريم
1 / 9
حتى تقوم حجته على الثقلين من الإنس والجان، وأسند إلى نبيه ﷺ مهمة التبليغ للقرآن والبيان، فقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤] .
فَقَامَ ﷺ بهذه المهمة أحسن قيام، وَنَصَحَ للخلق وأرشدهم إلى الطريق الموصلة إلى طاعة الرحمن، وَحَذَّرَهُم من سلوك سبل الغِوَايَة والخسران، فقامت به الحجة، وتمت به النعمة والمنة، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] .
وقد كان بيانه ﷺ وَسُنَّتُهُ وحيًا من الله ﷿، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٣، ٤]، فالله عزوجل قد أرسله بالكتاب والسنة جميعًا، كما قال سبحانه: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِه﴾ [البقرة:٢٣١] . فالحكمة: هي السُّنَّةُ المبينةُ على لسان رسول الله ﷺ مرادَ الله ﷿ بما لم ينص عليه في الكتاب١.
وقال ﷺ: "ألا إني أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ.." ٢.
فَدَلَّ ذلك على أنه أوتي السُّنَّةَ كما أوتي القرآن، وأن الكتابَ والسنةَ قرينان لا ينفصلان، وبذلك تكون السنةُ داخلةً في الوعد الذي
_________
١ انظر: الجامع لأحكام القرآن: (٣/١٥٧)، وتفسير القرآن العظيم: (١/٢٨١) .
٢ وهو من حديث المقدام بن معد يكرب، وسيأتي تخريجه في ص (٣٢٦) .
1 / 10
قطعه الله على نفسه بحفظ هذا الذكر، حيث قال سبحانه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] ١.
وكان من مظاهر حفظ الله سبحانه لسنة نبيه ﷺ: أن هيأ لها خير قرون هذه الأمة، فتلقوها عنه ﷺ، وحفظوها في صدورهم، "وألقوا إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصًا صافيًا، وكان سندهم فيه - عن نبيهم ﷺ، عن جبريل، عن رب العالمين - سندًا صحيحًا عاليًا، وقالوا: هذا عهدُ نَبِيِّنَا إلينا، وقد عَهِدْنَا إليكم، وهذه وصيةُ رَبِّنَا وفرضُهُ علينا، وهي وَصِيَّتُهُ وفرضه عليكم. فجرى التابعون لهم بإحسان على منهاجهم القويم ... ثم سلك تابعو التابعين هذا المسلك الرشيد ... "٢.
ومع مرور الأيام، وتعاقب الأزمان، دخل في هذا الشأن من ليس من أهله، فوقع الوهم والغلط في الرواية، بل وظهر الكذب على النبي ﷺ.
فحينئذٍ أقام الله سبحانه طائفة من الأئمة الحفاظ، فاجتهدوا في جمع الأحاديث والآثار في الصحاح، والمسانيد، والسنن، والجوامع، والمعاجم، وغيرها؛ فلم ينقض القرن الرابع الهجري إلا وقد استوعبت مصنفاتهم أحاديث رسول الله ﷺ وآثار أصحابه، ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم، كما صنفت كتب الجرح والتعديل وبيان أحوال الرواة، فَعُرِفَ الثقة الثبت من المجروح العليل، مما مَكَّنَهُم من النظر في أسانيد الأحاديث والآثار، وتمييز الصحيح من الضعيف والسليم من المعلول من تلك
_________
١ وسيأتي - عن ابن القَيِّم وغيره - مزيد كلام على دخول السنة في الذكر الذي تكفل الله بحفظه. انظر ص: (٣٢٦ - ٣٢٩) .
٢ إعلام الموقعين: (١/٦) .
1 / 11
الأخبار، وهم مستمرون على ذلك على مر الدهور والأعوام، وحتى قيام الساعة إن شاء الله؛ فإن الله سبحانه يقيِّض في كل زمان وعصر وفي كل قُطْرٍ ومصر من العلماء الْمُبَرِّزين من يَذُبُّ عن سنته ﷺ، ويحمي حوزة الدين من كل مُبْتَدَعٍ ودخيل، وهم ظاهرون على الحق، قائمون بأمر الله "لا يَضُرُّهُم من خَذَلَهُم أو خَالَفَهُم حتى يأتيَ أمر الله وهم ظاهرون على النَّاس" ١.
ومن أولئك الأعلام الأفذاذ: الإمام العلامة، ناصر السنة، وقامع البدعة، شمس الدين بن قَيِّم الجوزية ﵀، فقد كان شوكة في حلوق المنحرفين والمبتدعين، وحربًا على المتعصبين والمقلدين، وذلك بدعوته للتمسك بسنة سيد المرسلين، ونبذ ما سوى ذلك من بدع المبتدعين.
فَنَصَرَ اللهُ به السُّنَّةَ المحمدية، وأحيا به الطريقة السَّلفيَّة، وقمع به كثيرًا من الطرق البدعية، والانحرافات العقدية.
فقد عاش ﵀ حياته مجاهدًا بلسانه وقلمه في سبيل تحقيق هذه الغاية الجليلة، لا يخشى في الله ملامة اللائمين، ولا يصده عن مواصلة جهاده كثرة الشانئين والحاقدين، حتى لقي الله على ذلك.
وكانت حياته العلمية ﵀ حافلة بالبذل والعطاء في كل فن من فنون الشريعة الإسلامية، فلم يدع منها بابًا إلا طرقه، ولا سيما الحديث وعلومه، حيث إن دعوته قامت - في المقام الأول - على
_________
١ أخرجه مسلم في صحيحه: (٣/١٥٢٤) ح ١٩٢٣ (١٧٤) ك الإمارة، باب قوله: ﷺ "لا تزال طائفة من أمتي ... " من حديث معاوية. وسيأتي مزيد كلام عن حفظ الله لدينه بجهود هذه الطائفة (انظر ص: ٣٢٧ - ٣٢٩) .
1 / 12
نصوص الكتاب، وما ثبت من السنة، فبذل لأجل ذلك جهدًا مشكورًا في العناية بالحديث، وتمييز صحيحه من سقيمه، وبيان الأحاديث الموضوعة التي اعتمد عليها أهل التعصب وأرباب البدع في ترويج باطلهم، فوقف لهم بالمرصاد، يفضح أمرهم، ويكشف كذبهم.
وقد وُجدت له - في أثناء ذلك - مشاركات قيمة، وأقوال نافعة في قواعد الحديث وأصوله، كما وجدت له أحكام موفقة في نقد الرجال وبيان أحوالهم جرحًا وتعديلًا.
ولما كانت جهود ابن القَيِّم ﵀ في خدمة هذا الدين على درجة كبيرة من الأهمية، وكانت علومه وآثاره تحظى - لدى الموافق والمخالف - بمكانة عَلِيَّة: كان ﵀ جديرًا بأن تتجه إليه جهود الدارسين والباحثين، ترجمةً لحياته، وإبرازًا لجوانب مهمة في شخصيته، وإحصاءً لآثاره، وتقريبًا لفقهه، وجمعًا لإفاداته المهمة في كل فن، واستخلاصًا لأفكار ومبادئ تربوية هادفة من كتبه، إلى غير ذلك من جوانب مهمة طالتها كتابات الباحثين حول شخصية ابن القَيِّم وعلومه١.
وقد كانت لدي رغبة قوية في إبراز شيء من جهد ابن القَيِّم في الحديث وعلومه، وبخاصة بعد أن وقفت على تلك البحوث القيمة - في الحديث وعلومه - في كتابيه: (الفروسية)، (وتهذيب السنن)، وذلك
_________
١ وسيأتي ذكر طرف من هذه الدراسات والبحوث المهمة حول ابن القَيِّم ﵀. انظر ص (٣٥ - ٣٧) .
1 / 13
حينما قرأنا دروسًا من الكتابين في السنة المنهجية التحضيرية، بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية شرفها الله.
ولما كنت بصدد تسجيل موضوع لنيل درجة (الدكتوراه)، وجدت الفرصة مناسبة لتحقيق هذه الرغبة، وبعد البحث والتتبع، وسؤال المختصين من مشايخي وأساتذتي وزملائي، علمت أن أحدًا لم يتعرض لهذا الموضوع، ولمست منهم تشجيعًا وتأييدًا للكتابة فيه، فزادت لدي الرغبة - حينئذ - وقويَ العزم على الكتابة في هذا الجانب من حياة هذا الإمام العلم، فتقدمت بهذا الموضوع أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في السنة النبوية وعلومها، وكان عنوانه: (ابن قَيِّم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها) .
وكنت أسعى من خلال الكتابة في هذا الموضوع إلى تحقيق هدفين:
أولهما: بيان مكانة ابن القَيِّم في الحديث وعلومه، وذلك من خلال الكشف عن آرائه وإسهاماته العلمية في هذا الجانب، والقيام بدراستها وتحليلها، ومن ثَمَّ مقارنتها بآراء أئمة هذا الشأن، ليعرف مكان ابن القَيِّم ﵀ بينهم.
ثانيهما: جمع أكبر قدر ممكن من هذه الآراء وتلك الإسهامات من بطون كتبه ومؤلفاته العديدة، وعرضها في ترتيب موضوعي، مما يسهل على طالب هذه الفوائد الوصول إليها، بعد أن كانت منثورة في أماكن متفرقة من كتبه، لا يُهْتَدى إليها إلا بتتبع كل مؤلفاته، والمرور عليها بحثًا بحثًا، ولا يخفى ما في ذلك من صعوبة ومشقة.
1 / 14
وفي ضوء تحديد هذين الهدفين: تبرز قيمة الموضوع، وتتضح أهميته في تقريب جهد ابن القَيِّم في الحديث وعلومه.
وقد قمت - من أجل تحقيق ذلك - بقراءة وجرد كل ما نشر من مؤلفات لابن القَيِّم ﵀، والتي تزيد على ثلاثين كتابًا، تتراوح ما بين كبير في خمس مجلدات كـ (زاد المعاد)، وصغيرٍ ذاتِ وريقات كـ (رسالته إلى أحد إخوانه) وغيرها.
1 / 15
مخطط البحث وأقسامه
وقد جعلت رسالتي هذه في: مقدمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة.
أما المقدمة: فقد ذكرت فيها فكرة عن الموضوع، وأهميته، والهدف منه، وعملي فيه.
وأما الباب الأول: فقد خصصته لدراسة شخصية ابن القَيِّم، وحياته العلمية، ثم مؤلفاته التي تركها، وذلك في فصول أربعة:
الفصل الأول: في الكلام على عصر ابن القَيِّم. وفيه مباحث:
المبحث الأول: الحالة السياسية.
المبحث الثاني: الحالة الدينية.
المبحث الثالث: الحالة الاجتماعية.
المبحث الرابع: الحالة العلمية والثقافية.
الفصل الثاني: في حياة ابن القَيِّم. وفيه مباحث:
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ومولده.
المبحث الثاني: أسرته ونشأته الأولى.
المبحث الثالث: أخلاقه وصفاته الشخصية.
المبحث الرابع: زهده وعبادته.
المبحث الخامس: نبل أهدافه، ونقاء آرائه.
المبحث السادس: مِحَنُه ووفاته.
1 / 16
الفصل الثالث: في سيرته العلمية. وفيه مباحث:
المبحث الأول: نبوغه وتقدمه في العلم، وشهادة الأئمة له، وثناؤهم عليه.
المبحث الثاني: في ذكر شيوخه.
المبحث الثالث: اهتمامه باقتناء الكتب وذكر مكتبته.
المبحث الرابع: أسفاره ورحلاته.
المبحث الخامس: أعماله العلمية ومناصبه.
المبحث السادس: في ذكر تلاميذه.
الفصل الرابع: في الكلام على مؤلفاته. وفيه مباحث:
المبحث الأول: منهج ابن القَيِّم في التأليف، وخصائص مؤلفاته.
المبحث الثاني: ذكر مؤلفات ابن القَيِّم.
المبحث الثالث: مصادر ابن القَيِّم في مؤلفاته.
المبحث الرابع: دراسة بعض مؤلفات ابن القَيِّم.
الباب الثاني: ويشتمل على آراء ابن القَيِّم ومنهجه في الحديث وعلومه. وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: آراؤه في علوم الحديث. وفيه مباحث:
المبحث الأول: أقسام الخبر.
المبحث الثاني: الحديث الصحيح.
1 / 17
المبحث الثالث: الحديث الحسن.
المبحث الرابع: المرفوع والموقوف.
المبحث الخامس: المرسل.
المبحث السادس: تعارض الوصل والإرسال، أو الوقف والرفع.
المبحث السابع: المنقطع.
المبحث الثامن: التدليس وحكم المدلس.
المبحث التاسع: الشاذ.
المبحث العاشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد.
المبحث الحادي عشر: الموضوع.
المبحث الثاني عشر: معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد.
المبحث الثالث عشر: رواية المجهول.
المبحث الرابع عشر: كيفية سماع الحديث وتحمله.
المبحث الخامس عشر: ناسخ الحديث ومنسوخه.
المبحث السادس عشر: مختلف الحديث.
المبحث السابع عشر:معرفة من اختلط من الرواة الثقات.
الفصل الثاني: آراء ابن القَيِّم ومنهجه في الجرح والتعديل. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: آراء ابن القَيِّم في الجرح والتعديل. وفيه مطالب:
1 / 18
المطلب الأول: في جواز الجرح، وأنه ليس من الغيبة المحرمة.
المطلب الثاني: هل يثبت الجرح والتعديل بقول الواحد؟
المطلب الثالث: بماذا تثبت العدالة؟
المطلب الرابع: إذا خالف رأي الراوي روايته، هل يوجب ذلك القدح في روايته؟
المطلب الخامس: هل يشترط ذكر سبب الجرح والتعديل؟
المطلب السادس: في تعارض الجرح والتعديل.
المطلب السابع: حكم رواية المبتدع.
المطلب الثامن: ذكر فوائد متفرقة في الجرح والتعديل.
المبحث الثاني: منهج ابن القَيِّم في الجرح والتعديل. وفيه مطالب:
المطلب الأول: مكانة ابن القَيِّم في نقد الرجال.
المطلب الثاني: منهج ابن القَيِّم في نقد الرجال.
المطلب الثالث: بعض الأساليب التي استعملها ابن القَيِّم في الجرح والتعديل.
المطلب الرابع: ذكر بعض الفوائد المتفرقة في الرجال.
1 / 19
الفصل الثالث: منهج ابن القَيِّم في تخريج الحديث والحكم عليه. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: منهج ابن القَيِّم في تخريج الحديث وعزوه.
المبحث الثاني: منهجه في الحكم على الحديث.
الفصل الرابع: منهج ابن القَيِّم في شرح الحديث، وبيان معانيه واستخرج أحكامه. وفيه مباحث:
المبحث الأول: منهجه في شرح الحديث، وبيان معانيه.
المبحث الثاني: منهجه في بيان غريب الحديث.
المبحث الثالث: منهجه في التعريف بالأماكن والبقاع.
المبحث الرابع: منهجه في الاستدلال بالنصوص الحديثية على آرائه.
المبحث الخامس: منهجه في التوفيق بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض.
الباب الثالث: في دراسة جملة من الأحاديث المختارة مما تكلم عليه ابن القَيِّم.
وجمعت في هذا الباب جملة من الأحاديث التي حكم عليها ابن القَيِّم ﵀ بتصحيح أو تضعيف أو غير ذلك، وَبَيَّن عللها، مع دراسة تلك الأحكام في ضوء أقوال الأئمة وأحكامهم على الأحاديث نفسها، ومن ثَمَّ بيان إصابة ابن القَيِّم أو عدم إصابته فيما حكم به.
وقد أطلت النَّفس في هذا الباب، فتوسعت في تخريج هذه الأحاديث بحسب أصول التخريج المعروفة؛ لكون التخريج علمًا جامعًا
1 / 20
وممارسة عملية لعلوم الحديث المختلفة؛ كقواعد علم المصطلح، ومباحث الجرح والتعديل وتاريخ الرواة، وعلم العلل؛ وذلك لاستجلاء معالم الشخصية العلمية لهذا الإمام العَلَم الفَذِّ، وإبراز جهوده في هذا المجال من بين مسالك هذه الدراسة، فكان هذا الباب تطبيقًا عمليًا على ما سبق عرضه من آراء وأقوال لهذا الإمام العَلَم فيما يتعلق بعلوم الحديث.
وذكرت في الخاتمة: أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي حول ابن القَيِّم وعلومه.
ثم ذيلت البحث بالفهارس التفصيلية التي لا غنى عنها للمطالع في هذا الكتاب.
منهجي في هذا البحث
أما منهجي وطريقة سيري في هذا البحث فيمكنني تلخيص ذلك فيما يلي:
أولًا: لقد اعتمدت في كل كلمة نقلتها عن ابن القَيِّم على كتبه مباشرة، دون أي كتاب آخر قد يوجد فيه كلامه.
ثانيًا: عندما يكون كلام ابن القَيِّم في المسألة طويلًا، فإنني أُلَخِّصُ المراد منه، وقد فعلت ذلك في قسم دراسة الأحاديث أكثر من غيره.
ثالثًا: ربما أضطر في بعض الأحيان إلى مراجعة طبعات أخرى لبعض المصادر، غير الطبعة التي اعتمدتها في سائر المواضع، فما وقع لي من ذلك نبهت عليه في الحاشية، وهو قليل.
1 / 21
رابعًا: لم ألتزم في كل مسألة تعرضت لها بذكر جميع ما وقفت عليه من كلام لابن القَيِّم حول هذه المسألة، بل أختار من ذلك ما أراه كافيًا في الدلالة على المراد، وذلك تجنبًا للإطالة. وقدر أشير في الحاشية إلى شيء من المواضع التي تركتها، حتى يراجعها من شاء. وأما إذا كان كلامه مختصرًا فإنني أذكره من كل المواضع التي ورد فيها.
خامسًا: في حالة عدم موافقتي لابن القَيِّم في رأي أو حكم، فإنني أُنَبِّه على ذلك، مُبَيِّنًا ما استندت إليه في اختيار خلاف قوله، مع مناقشة اختياره إن لزم الأمر، وذلك كله في ضوء كلام أهل العلم في المسألة.
سادسًا: قمت بشرح بعض الكلمات الغريبة مما تدعو الحاجة إلى شرحه، وتحديد بعض الأماكن والتعريف بها، واقتصرت بالنسبة للأماكن: على غير المشهور، أو ما كان له تعلق مباشر بالكلام عن ابن القَيِّم.
سابعًا: استعملت بالنسبة لبعض الكتب رموزًا للدلالة عليها، وذلك على سبيل الاختصار.
وهذه الرموز هي:
د: لأبي داود في "السنن".
ت: للترمذي في "جامعه".
س: للنسائي في "السنن".
جه: لابن ماجه في "سننه".
1 / 22
طأ: لمالك في "الموطأ".
حم: لأحمد في "المسند".
مي: للدارمي في "السنن".
طس: للطيالسي في "المسند".
يع: لأبي يعلى في "المسند".
خز: لابن خزيمة في "صحيحه".
حب: لابن حبان في "صحيحه".
كم: للحاكم في "المستدرك".
طب: للطبراني في "معاجمه"، مع التقييد بالمراد من معاجمه الثلاثة.
قط: للدارقطني في "السنن".
هق: للبيهقي في "السنن".
عق: للعقيلي في "الضعفاء".
وبقية المصادر ترد مذكورة باسمها الصريح.
وبعد؛ فهذا ما يَسَّرَ الله لي جمعه حول الإمام العلامة ابن قَيِّم الجوزية ﵀، وأرجو الله - سبحانه - أن أكون قد وفقت في ذلك للحقِّ وهديت للصواب والرشد، والله ﷿ لم يجعل قول أحد من خلقه كله صوابًا، إلا قول المعصوم ﷺ، الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يقول إلا وحيًا.
1 / 23
وحسبي أني لم أَدَّخِر جهدًا في سبيل إخراج هذا البحث بالصورة اللائقة بمكانة هذا الإمام العلم، فما كان فيه من صواب وخير فمن فضل الله وهو الموفِّق إليه، فله الحمد، وما كان فيه من خطأ وتقصير ونقص فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله منه.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بوافر الشكر وجميل الثناء لكل من قدَّم لي مساعدة أو أسدى إليَّ نصحًا، أو تفضَّل عليَّ بتوجيهٍ أثناء إعدادي لهذا البحث، من المشايخ الفضلاء، والزملاء الأعزاء، وأخصُّ بالذكر: شيخي وأستاذي الفاضل الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي، الذي أشرف على هذه الرسالة، وبذل من جهده ووقته الكثير في سبيل خروجها بهذه الصورة، أسأل الله - سبحانه - أن يجزيه عني خير الجزاء، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته، آمين.
وأُثَنِّي بالشكر للأستاذين الفاضلين: فضيلة الدكتور عبد المنعم عطية، وفضيلة الدكتور عاصم القريوتي اللذين تجشما عناء قراءة هذا البحث - رغم كبر حجمه - وأتحفاني بملحوظاتهما المفيدة وتوجيهاتهما السديدة، أثناء مناقشتهما لي، مما أعانني على إصلاح كثير من الخلل، واستدراك كثير من النقص والزلل، فجزاهما الله عني خير الجزاء، وبارك في علمهما، ونفع بهما آمين.
وأُثَلِّثُ بالشكر الوافر والثناء الجميل العاطر، للأستاذين الفاضلين اللذين قوَّما هذه الرسالة، مُكَلَّفين من قِبَل عمادة البحث العلمي، فقاما
1 / 24
بقراءتها مشكورين مأجورين، وأتحفاني بملحوظات نفيسة قيمة، وفوائد سديدة مؤيَّدة، أفدت منها كثيرًا في إكمال ما بقي من نقص، وإصلاح ما خفي - قبلُ - من خطأ، فجزاهما الله خير الجزاء.
والشكر موصول لعمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، ممثلة في عميدها فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد بن خليفة التميمي، وكافة منسوبي العمادة، على جهودهم المباركة الميمونة في نشر الكتب النافعة بين أهل العلم وطلابه. وما نشر هذا الكتاب الذي بين يديك - أخي القارئ الكريم - إلا ثمرة من ثمار هذه الجهود المخلصة الموفقة.
كما أشكر القائمين على الجامعة الإسلامية على ما يبذلونه من جهود حثيثة في سبيل إعداد الدعاة المؤهلين الذين يقومون بواجب الدعوة إلى الله ﷿ في كافة أنحاء المعمورة، متسلحين بالعقيدة الصافية، والعلم الشرعي الأصيل، والذين كانوا بحق مشاعل نور وهداية لكثير من المتعطشين إلى الدعوة الإسلامية الصحيحة الخالصة، فجزاهم الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وكتبه: محمد جمال بن محمد السيد
المدينة النبوية الشريفة
في الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وأربعمائة وألف للهجرة
1 / 25
الباب الأول: حياة ابن القيم، وسيرته العلمية وآثاره
الفصل الأول: عصر ابن القيم وبيئته
المبحث الأول: الحالة السياسية
...
مصادر ترجمة ابن القَيِّم:
وقد رأيت أن أمهد بين يدي هذا الباب بالكلام على المصادر التي ترجمت لابن القَيِّم ﵀، فأعطي فكرة عنها، مع تحليل للمادة التي احتواها كل مصدر منها، وذكر ما تميز به بعضها عن الآخر.
وذلك: لأن ما سيأتي من وصفٍ لابن القَيِّم، وسردٍ لأحداث حياته، مأخوذٌ من هذه المصادر بالدرجة الأولى، فيحتاج الناظر في هذه الترجمة أن يتعرف على هذه المصادر.
وقد ترجم لابن القَيِّم جماعةٌ من معاصريه فمن بعدهم، فمن هؤلاء:
الحافظ الذهبي١ (ت٧٤٨هـ)، وتلميذه الصَّفَدِي٢ (ت٧٦٤هـ)، وأبو المحاسن الحُسَينيُّ٣ (ت٧٦٥هـ)، وتلميذاه: ابن كثير٤ (ت٧٧٤هـ)، وابن رجب٥ (ت ٧٩٥هـ) .
وتتفاوت هذه التراجم فيما بينها من حيث: طولها وقصرها، ونوع المادة والمعلومات التي قدمتها كل ترجمة منها.
فأطول هذه التراجم وأوفاها: ترجمة تلميذيه الصَّفَدِي، وابن رجب؛ إذ استوعبا أهمَّ المعلومات المتعلقة بحياة ابن القَيِّم - وبخاصة
_________
١ المعجم المختص: (ص ٢٦٩) .
٢ الوافي بالوفيات: (٢/٢٧٠-٢٧٢) .
٣ ذيل العبر: (ص١٥٥) .
٤ البداية والنهاية: (١٤/٢٤٦-٢٤٧) .
٥ ذيل طبقات الحنابلة: (٢/٤٤٧ - ٤٥١) .
1 / 31
العلمية منها - فقد كان للصَّفَدِي جهد طيب في محاولة استقصاء شيوخ ابن القَيِّم في كل فن، وأما ابن رجب فقد بذل جهدًا كبيرًا في محاولة استقصاء أكبر قدر من مؤلفات ابن القَيِّم ﵀. كما أبرزَ الكثيرَ من صفاته الشخصية، وأخلاقه، وعبادته.
ويليهما في ذلك: الحافظ ابن الكثير، وقد أبرز اجتهاد ابن القَيِّم في الطلب، وتفوقه وتقدمه في علوم عديدة، وكذا أحواله في عبادته وزهده، وما تحلى به من أخلاق حميدة.
وأما الذهبي، وأبو المحاسن الدمشقي: فقد جاءت ترجمتهما مختصرة جدًا؛ حيث وقعت في أسطر معدودة، ومع ذلك فإن ترجمة الذهبي تضمنت معلومات دقيقة ومفيدة على وجازتها، حتى إن أكثر من جاء بعده نقل من ترجمته. وقدم أيضًا - أعني الذهبي - رأيه الشخصي في ابن القَيِّم؛ إذ وصفه بأنه: (معجب برأيه، جرئ على الأمور) . وسيأتي رد الشوكاني على ذلك.
وأما المترجمون له ممن جاء بعده، فهم:
ابن ناصر الدين١ (ت٨٤٢هـ)، والمقريزي٢ (ت ٨٤٥ هـ)، وابن حجر٣ (ت٨٥٢هـ)، وابن تَغْرِي بَرْدِي٤ (ت٨٧٤ هـ)،
_________
١ الرد الوافر: (ص٦٨ - ٦٩) .
٢ السلوك: (٢/٣/٨٣٤) .
٣ الدرر الكامنة: (٤/٢١ - ٢٣) .
٤ النجوم الزاهرة: (١٠/٢٤٩)، والمنهل الصافي: ج٣ (ق ٦١ - ٦٢)، والدليل الشافي: (٢/٥٨٣) .
1 / 32
والسخاوي١ (ت٩٠٢هـ)، والسيوطي٢ (ت٩١١هـ)، والنعيمي٣ (ت ٩٢٧هـ)، والداودي٤ (ت ٩٤٥هـ)، وابن العماد٥ (ت١٠٨٩هـ)، والشوكاني٦ (ت١٢٥٠هـ)، وصديق حسن٧ (ت ١٣٠٧هـ)، والآلوسي٨ (ت١٣١٧هـ)، وابن بدران٩ (ت ١٣٤٦هـ)، والشطي١٠ (ت ١٣٧٩هـ)، وأحمد قدامة١١ (قَدَّمَ لكتابه سنة ١٣٨٥هـ)، وعمر رضا كحَّالة١٢ وغيرهم.
ولم تقدم هذه المصادر زيادة على المصادر السابقة، بل إن أكثرها ينقل عن تلك المصادر.
إلا أننا - مع ذلك - يمكن أن نلمح بعض الأمور التي تستحق التنبيه عليها في بعض هذه المصادر المتأخرة؛ فقد أفاد المقريزي مثلًا: أن ابن القَيِّم ﵀ قدم القاهرة مرارًا. وأما ابن حجر: فقد قَدَّمَ رأيه
_________
١ نقل ترجمته وكلامه في ابن القَيِّم: صديق حسن في (التاج المكلل: ص ٤١٩) .
٢ بغية الوعاة: (١/٦٢ - ٦٣) .
٣ الدارس في تاريخ المدارس: (٢/٩٠) .
٤ طبقات المفسرين: (٢/٩٠ - ٩٣) .
٥ شذرات الذهب: (٦/١٦٨ - ١٧٠) .
٦ البدر الطالع: (٢/١٤٣ - ١٤٥) .
٧ التاج المكلل: (ص ٤١٦ - ٤٢٠) .
٨ جلاء العينين: (ص ٣٠ - ٣١) .
٩ منادمة الأطلال: (ص٢٤٠ - ٢٤٢) .
١٠ مختصر طبقات الحنابلة: (٦١ - ٦٢) .
١١ معالم وأعلام في بلاد العرب: (١/٢٦٧) .
١٢ معجم المؤلفين: (٩/١٠٦ - ١٠٧) .
1 / 33