Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
خپرندوی
دار الفكر العربي
د خپرونکي ځای
القاهرة
٣ - انصرف ابن حزم للعلم
١٠١ - إن الرجل الذكي قد تتوافر له كل أسباب العلم من شيوخ موجهين ومواهب مواتية، وبيئة علمية تغذي هذه المواهب، ومع ذلك تشغله شواغل الحياة، وأعراض الدنيا عن العلم، فينصرف عنه، أو لا يعطيه حقه من التفرغ له، إن العلم لا ينتج ولا يثمر إلا بالتفرغ والانصراف، فهو لا يقبل شريكاً له في النفس، وإن العالم لا يؤتى ثمرات العلم إلا إذا كانت نفسه كلها للعلم وحده، فإن العالم يحتاج إلى تأمل وعمق نظر، واستقراء واستيعاب وتحصيل، وذلك كله لا يكون مع انشغال النفس بغيره. فقد يكون وزير من الوزراء على علم وفهم عميق، ولكنه لا يكون عالماً منتجاً مجاوباً جيله، مقدماً ثمرات نفسه إلا إذا اعتزل، وانصرف إلى العلم، ليتوافر له وقت الاستقراء والاستيعاب.
١٠٢ - وإن ابن حزم منذ نعومة أظفاره وتفتح نفسه ومداركه، وهو يرى أنه لا سبيل له إلا سبيل العلم، فقد رأى أباه يعتزل أو يعزل ويترك الوزارة من سنة ٣٩٨ أي وابنه في الرابعة عشرة من عمره، ثم يتعرض الأب للمحن التي عمت أهل قرطبة وخصته، حتى مات في هذا المضطرب آسفاً حزيناً، وكان ابن حزم وقت وفاته لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وهو يغشى مجالس الحديث، ويتلقى عن المحدثين، فكان لا بد أن ينصرف إلى العلم، لأنه لم يكن له من عمل سواه، فقد كان رفقاؤه جميعاً من طلاب العلم، ولم يجد في السياسة متعة، أو بالأحرى لم يذق متعتها بل شب عن الطوق، وهو يذوق مراراتها فيما آلت إليه حال أبيه. استمر في العلم وللعلم وحده حتى بلغ نحو الثالثة والعشرين من عمره في سنة ٤٠٧، فنزلت به شديدة جرته إلى السياسة، وإن لم تصرفه عن العلم فانبعث إليه همة عاون فيها الأمراء من بني أمية، فانتقل إلى بلنسية ليعاون الأمير الأموي الذي
85