Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
خپرندوی
دار الفكر العربي
د خپرونکي ځای
القاهرة
لكان غيره فوقه. فصح أنه موهبة من الله تعالى. فأي مكان للعجب هاهنا. ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله تعالى، واستزادة من نعمه. واستعاذة من سلبها)) (١).
٧٩ - هذه مزايا فكرية، امتاز بها ذلك الإمام العظيم. وإنه بجوار هذه المزايا الفكرية كانت عنده صفة أخرى لازمة للعلماء وهي الصبر والجلد والمثابرة. لقد جد ابن حزم في طلب العلم وتحصيله، وانصرف إليه بكليته، ولم يجعل من نفسه فراغاً لغيره، لأنه وجد أن ذلك سبيل علوه. وهو فوق ذلك سبيل الله تعالى، فإن من طلب العلم لله وصل إلى مبتغاه، وهو أسمى غاية. ونال العلو به بين الناس فيجمع الله له حظ الدنيا والآخرة:
إن ابن حزم نشأ في بيت وزارة كما رأينا. وما إن شب عن الطوق وأدرك الدنيا، وتطلعت نفسه لما فيها حتى رأى الدهر يقلب لأبيه ظهر المجن، والفتن تضرب بجراتها، فتزعج مقامهم، ففي سنة ٣٣٩ أي عند بلوغ ابن حزم الخامسة عشرة من عمره وقعت الفتن التي اضطرتهم إلى هجر دورهم، والانتقال إلى دور أخرى لهم. ثم مات أبوه ثم اضطر من بعد ذلك إلى الانتقال من قرطبة إلى المرية ثم التطواف من بعد مغرباً أو مختاراً وإن هذا أقنعه منذ صباه بأن السياسة مركب خشن، وأن ما يناله ذو الطمع فيها من خيراتها، يهون بجواره ما ينتابه من جرائها ولذلك انصرف منذ صباه إلى العلم، ولم يمنعه من طلبه سجن ولا تغريب، وجعل همه ذلك الطلب لله لا لأحد سواه، ولذلك جد فيه وصبر في طلبه على ما كان يلقاه من أذى الأمراء، وتسويء السمعة والنفي من الأرض والانتقال من إقليم إلى إقليم، ولما حرقوا كتبه، لم يزده ذلك إلا انصرافاً إليه وتدوين ما في صدره من جديد. وذلك كله، لأنه جعل همه العلم والتقرب إلى الله ببيان الحق والنطق به. ولذا يقول: لذة العالم بعلمه، ولذة الحكيم بحكمته، ولذة المجتهد لله عز وجل باجتهاده أعظم من لذة الآكل بأكله والشارب بشربه والكاسب بكسبه واللاعب بلعبه والآمر بأمره، وقد نال لذة العليم والحكيم
(١) مداواة النفوس ص ٥٠، ٥١.
67