97

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

انصرف هشيم بعد ذلك إلى طلب الحديث، ورحل الرحلات المختلفة في طلبه فرحل إلى مكة، وفيها التقى بالزهري، وأخذ منه نحوًا من مائة حديث، وقيل ثلاثمائة، ورحل إلى البصرة، وإلى الكوفة، وإلى غيرهما من الأمصار طلبًا للحديث، وأخذًا من رجاله، واستمر على ذلك دائبًا لا يني، حتى صار له شأن فيه أي شأن، ثم صارت له الرياسة فيه في بغداد، فكانت له حلقته، وإن كان له منافسون مثل وكيع، فقد نفس هذا عليه تلك المنزلة، وجهد أن يسقطه، بل أن يدلسه ولكن سمعته العلمية، وأمانته كانت فوق هذا المنال، وحسبك أن تعلم أن من رواته مثل مالك بن أنس، ولقد قال فيه حماد بن زيد ((ما رأيت في المحدثين أنبل من هشيم، وكان بعض المحدثين ذوي القدم الثابتة يفضله على إمام الحديث سفيان الثوري، ولقد أثنى عليه مالك بن أنس رضي الله عنه ونفى أن يكون بالعراق عالم بالحديث سواه، فقال: ((وهل بالعراق أحد يحسن أن يحدث إلا ذاك الواسطي (يعني هشيما)))(١)

٩٩- وإذا كان لهشيم هذه المنزلة في الحديث، وعند جمهور المحدثين في عصره، حتى يرضى مالك بالرواية عنه، فإن أحمد كان موفقًا إذ اتجه إليه في نشأته، فقد جلس إلى إمام الحديث في عصره، والتزمه، وقد كان كما قلنا ذا تأثير شديد في نفس أحمد رضي الله عنه، حتى كان يحفظ كل ما يلقيه عليه حفظًا، فإنه يروي أنه قال رضي الله عنه: ((حفظت كل شيء سمعته من هشيم، وهشيم حي، قبل موته))

ولا شك أن هذا الحفظ، وإن كان أساسه قوة الحافظة والعناية عند أحمد ليدل أيضًا على عظيم منزلة هشيم في نفسه، وأنها كانت المنزلة العالية التي جعلته ينصرف بكل جهوده إلى الحديث، والسنة والفقه.

١٠٠- ويظهر أن أحمد قد تلقى على هشيم حديثًا كثيرًا وفقهًا قليلًا، ولذلك كان لابد أن يسد ذلك النقص بشخصية أخرى ذات قوة تسد ذلك النقص، وقد وجدت تلك الشخصية في الشافعي رضي الله عنه، وقد اتصل به أحمد عقب وفاة هشيم، عندما ذهب يحج بيت الله الحرام، فالتقى بالشافعي، وأثار إعجابه، وكان إعجابه بعقله الفقهي، وقوة استنباطه، والضوابط والمقاييس التي جعلها أصول الاستنباط، فقد كان ذلك

(١ تاريخ بغداد = ١٤ ص ٩٢.

96