85

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

يده، اقتداء بالنبيين، واتباعا لمنهاج الصالحين، ويفضل ذلك على العطاء؛ لأن اليد العليا خير من اليد السفلى.

والقوة التي كانت تمده بالعون هي هذه الصفة السامية - الصبر، والجلد وقوة الاحتمال وقوة الإرادة، والعزيمة، وبعد الهمة، مع الفقر وشدة الحاجة.

ولما صار له شأن من الشأن، وتصدى للدرس والإفتاء نزل به البلاء الأكبر، والمحنة العظمى، فكانت تلك الصفة هي عدته، وبها كانت أهبته، فقد صبر، وصابر الذين أنزلوا به الأذى، حتى ملوا الأذى، ولم يهن، ولم يستكن، ولم يستخذ لهم، ولم يجبهم إلى قولهم؛ لأنه في اعتقاده البدعة، وإن لم يكن كفرا، والانحراف، وإن لم يكن مروقا، وما كان ذلك الاحتمال إلا بقوة الإرادة والعزيمة وقوة الاحتمال والجلد.

ولما من الله عليه بالرخاء بعد الشدة، ابتلى بالنعمة بدل النقمة، وكان لابد أن يحسن البلاء فيها، كما أحسن البلاء في الشديدة، قدم إليه العطاء كثيرا موفورا، وهو في الحاجة التي تشبه المخمصة، وأولاده وأحفاده حوله يقاسون ما يقاسي من هذه الحاجة، ولكنه علا على ذلك كله بقوة إرادته، وصدق عزيمته، وبعد همته، فرد كل عطاء، لنزاهة نفسه، وليبقى هو لله خالصا لا لأحد من عبيده، فكانت تلك الصفة في هذا أيضا عدته، وجهاده هنا لا يقل عن جهاده الأول، بل هو مثله، وإن لم يكن من نوعه، ولكنه أنبل، وأسمى، وأعلى، فرضي الله عنه.

ومما لا شك فيه أن هذه الصفة هي التي كونت له تلك السمعة الذائعة، وتلك الشخصية الرائعة، وهي أبرز صفاته، ومفتاح عظمته، وسرها، وعنوانها.

٨٤- وإن من الحق علينا أن نذكر أن صفة الصبر التي امتاز بها أحمد هي من نوع الصبر الجميل الذي جاء ذكره في القرآن الكريم، ودعا إليه يعقوب عليه السلام بنيه فيما حكى الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: ((فصبر جميل)).

والصبر الجميل هو الصبر من غير أنين، ولا شكوى، ولا ضجر، وكذلك كان أحمد رضي الله عنه، فلقد نزل به الأذى فما أن، وما ضج بالشكوى، وكان فيه صاحب الجنان الثابت الذي لا يطيش، ولا يذهب.

ولنذكر لك خبرا يدل على قوة جنانه وثباته، فإن ما يروى أنه أدخل على الخليفة

84