64

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

لقد جاء في أحد كتب المأمون، أو بالأحرى كتب أحمد ابن أبي دؤاد، في إثبات بطلان قول من قالوا إن القرآن قديم: ((وضاهوا به قول النصارى في ادعائهم في عيسى بن مريم أنه ليس بمخلوق؛ إذ كان كلمة الله)) وإن هذا القول يدل على أن المأمون والمعتزلة معه، قد رأوا أنه في ادعاء أن القرآن قديم، وقرار ذلك في نفوس العامة ينتهي بالحكم بتعدد القدماء، ثم جسم له الخيال أن ذلك ينتهي إلى تعدد الآلهة في العبادة، وأن ذلك إشراك بالله سبحانه وتعالى، وأن المثل في ذلك قائم حي، وهو أن النصارى حكموا بقدم عيسى عليه السلام، ثم عبدوه؛ فلما رأى المعتزلة، ومعهم المأمون فشو ذلك القول عند العامة أو حشو الأمة كما قال في كتابه، وزين ذلك لهم الفقهاء والمحدثون، وأهل التقوى عندهم، هالهم الأمر، وظنوا ذلك يؤدي إلى ضلال الأمة، كما ضل من قبل النصارى في عبادتهم عيسى عليه السلام، ولم يجدوا السبيل لذلك إلا أن يحملوهم على الحق بقوة السلطان بعد أن عجزوا عن حملهم عليه بقوة البيان.

إن هذا السبب واضح من كتبهم، وهو باعث لعل فيه بعض الإخلاص، ويقوي هذا أن المعتزلة الذين تمرسوا بالرد على الذين هاجموا الإسلام من قبل، وجدوا كما جاء في رسالة النصارى للجاحظ المعتزلي أن الكائدين للإسلام يرتضونه، ويرحبون بمقالة الفقهاء والمحدثين الذين يروجونها عند العامة؛ لأنهم يتخذون من الحكم بأن كل كلام لله قديم سبيلاً لأن يقيموا الحجة على أن المسيح قديم، وتكون تلك الحجة من الكتاب الكريم؛ إذ فيه أن المسيح كلمة الله، وكل كلام الله قديم، وكلمة الله قديمة، فالمسيح قديم ولعله مما جال بخاطر أولئك المعتزلة أن ترويح فكرة قدم القرآن باعتباره كلام الله سبحانه وتعالى - فكرة مسيحية دست بين الجماهير الإسلامية فيما كان يدس فيهم من أفكار، وقد تلقاها الجمهور بالقبول، لما فيها من تقديس للقرآن الكريم.

وإن الأخبار الصادقة تثبت أن النصارى الذين كانوا يعيشون بين المسلمين، ويؤلمهم أن يدخل المسيحيون في دين الله أفواجاً أفواجاً، كانوا يثيرون أفكاراً بين المسلمين، ويتخذون من هذه الأفكار حججاً لهم يجادلون بها عن دينهم.

63