140

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

كلام الله ((نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين)). وإذا كان كلام الله سبحانه وتعالى، فهو يتصل بصفة من صفاته تعالت ذاته وصفاته علواً كبيراً، وذلك بألفاظه ومعانيه وعباراته، فكلها يتصل بصفات الله سبحانه وتعالى.

والعلماء بالنسبة لصفات الله سبحانه وتعالى على ثلاث طوائف:

(الطائفة الأولى) تنفي أن يكون الله سبحانه متصفاً بصفة من صفات المعاني كالقدرة والإرادة والعلم والكلام والسمع والبصر، وإلا كانت صفات الله قديمة بقدم ذاته، فيتعدد القدماء. وهؤلاء هم المعتزلة، ويعدون الصفات المذكورة في القرآن الكريم، والتي سيقت مساق النعت له سبحانه وتعالى أسماء له تعالى لا صفات، وإذا كانت ذات الله سبحانه وتعالى غير متصفة بصفة من صفات المعاني، والقرآن كلام الله سبحانه وتعالى بمعنى أنه خلقه، وأنشأه، وجعله دالاً على نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بإعجاز العرب عن أن يأتوا بمثله، وعجزهم فعلاً عن ذلك، لما فيه من مزايا بيانية ليست في قدرهم.

(الطائفة الثانية) طائفة تثبت الصفات للذات العلية، ولكنها تقرر أن الأفعال التي تكون بقدرة الله سبحانه وتعالى مخلوقة له جلت قدرته، فالله سبحانه وتعالى متكلم ولكنه يخلق الألفاظ والمعاني، فالقرآن على هذا مخلوق لله سبحانه وتعالى، كما أن الأشياء كلها مخلوقة لله سبحانه وتعالى بقدرته.

(الطائفة الثالثة) وهي الطائفة السلفية تقول إن الله سبحانه وتعالى متصف بالصفات التي ذكرت في القرآن الكريم نعتاً للذات العلية، فهو متصف بالقدرة والإرادة، والعلم والسمع والبصر والكلام، وغير ذلك من الصفات التي جاءت الآثار بها، ولا يحكمون بأن الأفعال التي تصدر عن ذات الله سبحانه وتعالى تسمى مخلوقة، فلا يسمى القرآن مخلوقاً؛ لأنه قائم بذات الله سبحانه وتعالى. ويقول في ذلك ابن تيمية: ((السلف قالوا لم يزل الله متكلماً، إذا شاء، وإن الكلام صفة كمال، ومن يتكلم أكمل من لا يتكلم... وهو يتكلم إذا شاء بالعربية، كما تكلم بالقرآن العربي، وما تكلم؛ فهو قائم به ليس مخلوقاً منفصلاً عنه، فلا تكون الحروف التي هي مباني أسماء الله الحسنى وكتبه المنزلة مخلوقة؛ لأن الله تكلم بها))(١)

(١) الرسائل والمسائل لابن تيمية حـ ٣ ص ٤٥

139