Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
برأى هذا السلف عما يفتنهم به معاصروه في زعمهم، فتجرد أحمد لبيان العقيدة السلفية من غير جدال، بل كان يكتفي ببيانها وبطلان ما كان يثار، ويعتبره بدعا يجب ردها وعدم الأخذ بها.
ولذلك أثرت له آراء في العقائد، كان فيها سلفيا، كما كان سلفيا في فقهه، لا يتبع المتشابه ابتغاء الفتنة أو ابتغاء تأويله، بل يقول في كل ما جاء في القرآن والسنة النبوية الصحيحة: آمنا به كل من عند ربنا.
٢ - ولقد كان أحمد كأكثر علماء السنة ينزلون الصحابة منازلهم، ولا يطعنون في أحد منهم، احترازا من أن ينالوا بسوء من شرفوا بفضل الصحبة، واختصوا بمنزلة مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتباس من هديه، ويسلكون مسالك التابعين الذين تلقوا علم أولئك الصحابة، فلا يخوضون في السياسة، ولا يناوئون الحكام، بل ينصرفون إلى العلم كما انصرف أولئك العلية من التابعين، سواء في ذلك من كانوا راضين عن أساليب الحكم الذي أعقب حكم الخلفاء الراشدين، ومن كانوا ساخطين، فابن المسيب والحسن البصري وغيرهما من التابعين الذين لم يرتضوا الحكم الأموي، قد سكنوا إلى فضل الطاعة، ولم يفارقوا الجماعة، واتجهوا إلى العلم، وهداية الناس.
وكذلك سلك أحمد رضي الله عنه، فهو لم يخض في سياسة، ولم يحرض على خروج بل استنكر الخروج، ولكن الأحاديث في المفاضلة بين الصحابة كانت مستفيضة في كل مكان، وكل ناد، حتى إن المأمون في مجلس مناظرته كان يثير ذلك، ويعلن تفضيل علي على سائر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ويتصدى لبيان ذلك، ويناقش من يناقش، ويقرن نزعته الشيعية هذا بالعمل، فيهم أن يعهد بالخلافة من بعده لبعض أولاد علي، إذ يعهد فعلا، ثم يموت من يعهد إليه، ولعله يكون قد رجع عن نزعته، فعهد بالخلافة من بعده لأخيه المعتصم.
وإذا كان أحمد بما آل إليه من الإمامة في الحديث قد صار المقصود بالسؤال عن هذا، والمطلوب بيان طريقة السلف فيه، فقد تصدى لبيان منازل الصحابة ومراتبهم،
123