116

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

العباسي الذي عاش فيه أحمد يختلف تأثيرها،إذ كان فيه أخلاط فكرية مختلفة، فهؤلاء ينكرون الاحتجاج بخبر الآحاد، وأولئك يقبلون خبر الآحاد، ويقدمون عليه القياس، وأولئك يجعلون فتاوى الصحابة من السنة، ويوازنون بينها وبين أخبار الآحاد، وأولئك يتشددون في الاستمساك بالسنة، ولا يقدمون أي دليل على ما تجيء به السنة، ويخصصون بها عام القرآن، لأنها بيان له، ومن البيان تخصيص العام، وتقييد المطلق.

فأحمد قد أخذ من هذا الغذاء المختلف الألوان ما يتفق مع نزوعه، ويتلاءم مع مزاجه، ومسلكه الذي وجه إليه منذ نشأته الأولى، وهو الاتجاه إلى السنة، وتعرف فتاوى الصحابة وكبار التابعين، والتخرج على ذلك المأثور، حتى إنه من فرط شغفه بمعرفة آثار الصحابة والتابعين عد من التابعين، كما جاء على لسان بعض دارسيه، لأنه لعنايته باتباع فتاوى الصحابة قد صار من تلاميذهم، إذ قد تلقى عنهم بالخبر، والآثار، وإن فاتته المشاهدة والعيان.

وإذا كان الجدل قد ساد عند طائفة كبيرة من معاصريه، فقد وجد في هذا العصر أيضا من كان ينفر من الجدل، لأنه يلقى الشكوك، ويفسد الفكر، فكان مالك، وسفيان الثوري، وابن المبارك وغيرهم يبغضون الجدل في الدين، ويرون أنه ليس من التدين القويم أن يجعل المؤمن دينه غرضا لسهام الجدل، وهدفا للخصومات الفكرية، وقد اختار أحمد رضي الله عنه ذلك المنزع، فنفر من الجدل والمجادلين نفورا شديدا.

115