ثم يقول: «ولكن هل وقف تأثير ابن عربي عند البيئات الإسلامية؟ لا، فقد سرى روحه إلى البيئات المسيحية ولون أفكارها، إن ابن عربي شغل الناس في عصره وبعد عصره، وكان النصارى في الأقطار الإيطالية والفرنسية والإسبانية، يتشوقون إلى المعارف الإسلامية الصوفية التي أذاعها.
ويكفي أن يتذكر القارئ، أن ابن عربي سيشغل الناس ما دام في الدنيا إنسان يهمه درس التصوف الإسلامي، وسيشغل الناس ما دام في الدنيا إنسان يهمه الوقوف على ما صنع الذكاء في درس أسرار الوجود.»
ويحدثنا الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه القيم «الفيلسوف المسلم»، ويعني به «العلامة رينيه جينو» أو عبد الواحد يحيى، عن مجلة عربية إيطالية كانت تصدر في القاهرة عام 1907م، وتسمى النادي، فيقول: «كانت الروح التي تسود هذه المجلة هي روح الشيخ الأكبر محيي الدين، وكانت هذه المجلة تعتبر طليعة لمجلات أخرى صدرت فيما بعد في فرنسا، وساهم فيها «جينو» بحظ وافر، وكان من ألمع محرري مجلة النادي؛ سواء ذلك قسمها العربي، أو قسمها الإيطالي عبد الهادي - وعبد الهادي هذا من أصل لتواني فلندي - ونشأ مسيحيا، وكان اسمه: إيفان جوستاف، ثم اعتنق الإسلام، وتعلم العربية، وأخذ يكتب في المجلة المقالات، ويطبع فيها الرسائل الصوفية الإسلامية من مؤلفات الشيخ الأكبر ويترجم بعض النصوص.»
وأعجب الشيخ عليش الكبير بعبد الهادي، فكتب مقالا في مجلة النادي، شكره فيه على ما أداه للحضارة من خدمة جليلة، هي تعريف الناس بمحيي الدين، وكان من ثمرات هذا المقال، أن أعلن في العدد التالي عن تأليف جمعية في إيطاليا وفي الشرق الأوسط لدراسة ابن عربي، وسميت الأكبرية، ووضعت منهاجا، هو التالي: (1)
دراسة ونشر تعاليم الشيخ محيي الدين؛ سواء ما يتصل منها بالشريعة وما يتصل بالحقيقة، والعمل على طبع مؤلفات تلاميذه وشرحها، وإلقاء محاضرات خاصة به، وأحاديث تشرح آراءه. (2)
جمع أكبر عدد ممكن من محبي الشيخ ابن عربي، وعقد صلة قوية بينهم تقوم على الأخوة، وتؤسس على الترابط الفكري بين النخبة الممتازة من الشرقيين والغربيين. (3)
تقديم المساعدة المادية والتشجيع الأدبي لمن هم في حاجة إلى ذلك، ممن يتبعون الطريق الذي اختطه محيي الدين بن عربي، وعلى الخصوص هؤلاء الذين ينشرون دعوته بالقول أو بالعمل. (4)
ولا يقتصر عمل الجمعية على ذلك، بل يتعداه أيضا إلى دراسة مشايخ الصوفية الشرقيين كجلال الدين الرومي مثلا؛ بيد أن مركز الدائرة يجب أن يستمر ابن عربي. (5)
ولا صلة للجماعة قط بالمسائل السياسية مهما كان مظهرها؛ إذ إنها لا تخرج عن دائرة البحث في الدين والحكمة.
وحمل جينو راية الجهاد في هذه الجمعية، فاستمر يبني على ما أسسته الأكبرية، تلك الجماعة التي تنهج نهج الشيخ الأكبر، وهو أسمى مظهر للتصوف الإسلامي والعقيدة الإسلامية.
ناپیژندل شوی مخ