فيذهل المعتمد ويسأله وكأنه لم يسمعه: ماذا؟ - شطرنج. - أتقصد الشطرنج الذي يلعب به؟ - نعم أقصد الشطرنج الذي يلعب به. - أتهذي؟! - بل أجد. - وماذا أنت فاعل به؟ - هذا سري يا مولاي، فأبقه علي أبقاك الله. - وكيف تريده أن يكون؟ - أريده أفخم ما يكون الشطرنج، أريده من خالص الذهب ومن خالص الفضة وأريد أمهر الصناع أن يتركوا أعمالهم جميعا فلا يفعلوا شيئا إلا أن يتقنوا صناعة هذا الشطرنج. - يسير مطلبك يا ابن عمار، يسير مطلبك.
ويأمر المعتمد فيمتثل الصناع أمره ويفرغون للشطرنج حتى يفرغوا منه، ويخرج ابن عمار إلى خيام الأذفونش فيلتقي بقادته والمقربين إليه ويتكلم معهم حديثا جاريا لا يقصد ظاهره إلى هدف ولا يهدف في لفظه إلى غاية، يتكلم ابن عمار فإذا حديث الشطرنج وصفاته وإتقان صناعه حديث شائع بين خيام الأذفونش، وإذا القوم لا يتكلمون فيما بينهم إلا عن الشطرنج حتى يرتقي حديثهم إلى الأذفونش، وإذا الأذفونش وقد أصبح كل همه أن يرى هذا الشطرنج فهو يستدعي ابن عمار ويسأله: أصحيح ما يقال عن الشطرنج يا رجل الجزيرة؟ - وما الذي يقال يا مولاي؟ - يقولون إن الصناع قد أبدعوه إبداعا فهو ما لم ير الأوائل ولا الأواخر. - ليس السماع كالعيان يا مولاي. - فمتى أراه؟ - متى تحب. - فهاته الآن. - أحضره الآن.
ويقوم ابن عمار إلى الشطرنج فما هي إلا بعض ساعة حتى يكون الشطرنج بين يدي الأذفونش يقلبه بين يديه عاجبا معجبا مادحا كل قطعة فيه، ويرى ابن عمار إعجابه فيسكت ولكن الملك لا يطيق السكوت. - كيف السبيل إلى مثله يا رجل الجزيرة؟ - ليس إلى مثله من سبيل يا مولاي. - وكيف؟ إنني أبذل لنيله ما تشاء من المال. - إن المال لا يعوق يا مولاي، غير أن الصناع الذين قاموا بصناعته قد ماتوا جميعا ولن يقدر على إبداع مثله صناع اليوم. - فليس من سبيل إلى مثله. - إلى مثله لا سبيل، أما إليه، فلعل هناك سبيلا. - وما هو؟ - أراهنك عليه. - علام؟ - ألاعبك به فإن غلبتني فهو لك وإن كانت الغلبة لي فإن لي عندك مطلبا. - وما مطلبك؟ - لا أقوله حتى تكون الغلبة لي. - ولكنك تعلم أن أحدا لا يتقن لعب الشطرنج مثلما أتقن. - وأعلم ذاك. - ولكنك لا تبين عن مطلبك. - حتى يتم النصر لي. - لا أظنني أرضى بهذا فأنا لا أعرف مدى قدرتك في اللعب وأنا لا أعرف مطلبك وأخشى أن يكون عسيرا. - ولكنك يا مولاي تتقن اللعب إتقانا فما خشيتك؟ - إن الذي عند الملك كثير فأخشى أن يكون مطلبك كثيرا. - أمرك إذن يا مولاي. - أنظرني إلى الغد.
وخرج ابن عمار من عند الملك واجتمع بقواده المقربين إليه كل على حدة وأغراهم أن يطمعوا الملك باللعب وألقم من يمد يده ذهبا وأفهم من لا يمدها أن الملك لا يجمل به أن يتراجع وهو اللاعب الحاذق، وانتقل الإغراء إلى الملك، ألقاه إليه أصحابه مظهرين له أنهم ينصحونه وأنهم يخشون أن يتسامع الناس بتقهقره.
ويطلع الصباح فإذا الملك قد انتصح بنصح قواده، وإذا هو يرسل من يدعو ابن عمار فيجيء فيخبره الملك أنه قبل الرهان.
ويبدأ اللعب وقواد الأذفونش شهود فما يلبث ابن عمار أن يتغلب على الأذفونش غلبة واضحة لا سبيل إلى نكرانها، فيعترف الأذفونش بها ويغتصب ابتسامة يلصقها بفمه ويسأل ابن عمار: فما مطلبك يا رجل الجزيرة؟ - لا شيء إلا أن يتفضل مولاي فيأخذ جيوشه ويعود بها من حيث أقبل.
يسمع الأذفونش هذا الحديث فتصبح ابتسامته تشنجا مرتعشا ويصيح بابن عمار: ويحك أجاد فيما تقول؟! - ليس لي مطلب آخر يا مولاي.
فيعلم الأذفونش أن الوزير قد أحاط به فيلتفت إلى قواده ثائرا بهم: أرأيتم ما نصحتم به؟ أرأيتم ما أوقعنا فيه الرجل؟ ولكن لا، لا يمكن أن يصبح الهذر جدا.
فيجيب ابن عمار: إن هذر الملوك جد يا مولاي.
فيعود الملك إلى وزرائه يكاد يقتلهم من شدة غيظه فيتركه ابن عمار ثائرا هائجا ويخرج، ولكنه لا يترك الخيام قبل أن ينتظر القواد مرة أخرى فيلقمهم مالا أو يلقنهم أن كلام الملوك لا يمكن أن يتراجع فإنه كلام الملوك.
ناپیژندل شوی مخ