90

وليس من قبيل هذا التسخير ما يقال عن أسرار السحر والطلاسم، وأغراض التحالف والمخادنة بين الأناسي والشياطين؛ فذاك تسخير تجري فيه إرادة الله وقدرة الإنسان وأحكام القوى والعناصر، كيفما سميناها، مجرى العموم المطرد في النواميس الكونية التي يعلمها من يقدر على علمها.

أما التسخير المقصود بالسحر وما إليه، فهو إلى خرق النواميس أقرب منه إلى مجاراتها والعمل بإرادة الله فيها، وإنما تخرق فيه هذه النواميس بثمن يبذله الساحر من روحه أو جسده، كأنه محاباة الرشوة وجزاء المخالفة والمروق عن مجرى الأمور.

ونعود إلى عمل الشيطان في الفنون، فنلاحظ أن ملكة الخيال تتقارب في رواياته وأقاصيصه بين المشرق والمغرب كأنها تصدر من إنسان واحد يتخيل الشيء الواحد في أوقات مختلفات.

فالعرب يتحدثون عن شياطين الشعراء، واليونان - ومن نقل عنهم - يتحدثون عن جنيات الفنون التي اصطلحنا على تسميتها بالعرائس، ولم نسلبها بذلك نسبتها إلى الجان، وقد قيل عن سقراط: إنه كان يستمع وحي الحكمة من جني أو شيطان كأنه يستمع إلى صوت صديق من الإنس يحاوره ويناجيه.

وقصة الموصلي مع إبليس لها نظير من قصة الموسيقي الإيطالي جيوسبي ترتياني في أوائل القرن الثامن عشر (1713)؛ حيث كان نزيلا بأحد الأديرة فجاءه الشيطان في المنام وتناول قيثارته وعزف عليها لحنا أذهله، ولكنه لم يذكره كله حين أيقظه إبليس وتحداه أن يعيده كما سمعه، فقنع منه بما وعاه وسماه هزة الشيطان.

والمردة الذين كانوا يقيمون الصروح في الشرق يضارعهم في اليونان جماعة المردة المشهورين باسم «التيتان».

والأطباء في القرون الوسطى كانوا ينافسون الكهنة في صلواتهم ودعواتهم للمرضى، فيتعلمون من الشيطان تلك الرقى والتمائم التي يزيفونها باسم الطب، ويشترون بها أرواح المصابين ثمنا لما يخدعونهم به من ظاهر الشفاء، وباطن الهلاك والبوار.

والحكم على شياطين الفنون من الوجهة الدينية متقارب في المشرق والمغرب.

فالغالب على شياطين الفنون أنها شياطين قدرة وإبداع، وليست بشياطين غواية وإفساد.

ولكن الفنون قد تستخدم للغواية والفتنة كما تستخدم للزينة وإبراز معاني الجمال ؛ كان جرير يفخر بشعره فيقول: إنه من رقى الشيطان، ويمدح الرجل الصالح فيقول ما معناه: إن الله عصمه من رقاه:

ناپیژندل شوی مخ