فهذه الحقائق الوجدانية والقيم الروحية لا تقاس بمقياس الأرقام وأنابيق المعامل، ومن أراد أن يقيسها بهذا المقياس فهو الذي سيخطئ لا محالة، كما يخطئ كل واضع لأمر من الأمور في غير موضعه، وكل من يقيس شيئا وهو يجهل كيف يقاس .
على أننا قد نفقه تعدد المقاييس وتعدد القيم دون أن نضطر إلى التوسع في هذا الموضوع الشاسع العسير؛ موضوع المقارنة بين الأديان.
فالغريزة في كل رجل وامرأة، وفي كل ذكر وأنثى من الحيوان تسفه كل من يعتسف طرق البحث، ويسبر أغوار الطباع بغير مسبارها.
وهذا حنان الآباء والأمهات لغو وباطل بكل شهادة من شهادات الحس والعقل، وتجارب المعامل وأرقام الحساب؛ لأن حنان الآباء والأمهات يقول لهم: إن طفلهم دون غيره يساوي كل من عداه ويفوقهم في حق البقاء، ويجب أن يزولوا جميعا إذا وجب أن يزولوا من الدنيا أو يزول هو منها.
وليضرب صاحب القياس الحسابي على هذا الحنان بالخط الأحمر ليخرجه من حيز الحقائق، ولينظر بعد ذلك أين الحق وأين الباطل بين الرأي في رأسه، وبين الحنان في صدر كل والد ووالدة، من الإنسان والحيوان.
أصواب هذا الحنان أو خطأ؟
أحق ذلك الدين أو باطل؟
إنما الخطأ أو الباطل هو الذي نسقطه ونلغيه، فها هنا خطأ واحد، وباطل واحد، وهما الخطأ والباطل في مقياس صاحب الحساب وصاحب الأنبيق.
وندع الغرائز المحجبة، ونقترب من المحسوسات الواضحة المفتوحة للسمع والبصر، فنفرض أن مخلوقا يرى الأشياء كما تكون في جو الأثير على بعد من الأرض والجاذبية الأرضية، ونتحدث أمامه عن اللون الأحمر واللون الأخضر، وعن العناصر الثقيلة والعناصر الخفيفة، وعن المقاطع والكلمات والأصداء والنغمات، فماذا عليه لو صاح بنا: على رسلكم يا هؤلاء اللاغطين، إن ما تهذرون به لحديث خرافة وأضغاث أحلام.
إنه لا يكون قد خرج بذلك على سنة العلم وأدعيائه، وإننا مع هذا لم نبتعد من المحسوسات التي يحيط بها العيان، وتسمعها الآذان، فإذا كانت الطبيعة الإنسانية لا تدرك هذه المحسوسات إلا بهذه الألوان والأشكال، فكيف نطلب من الأديان أن تخاطب الطبيعة الإنسانية بأسلوب غير أسلوبها وهي تتحدث عن الغيوب الخفية، وعما وراء المادة ووراء الزمان والمكان؟
ناپیژندل شوی مخ