103

فتبينوا يا معشر الأشرار

النار عنصره وآدم طينة

والطين لا يسمو سمو النار

لقد قال الحق، ولم يزل قائله من الممقوتين.

فلا يسكت من كلامه إلا ورجل من أصناف العذاب يغمض عينيه حتى لا ينظر إلى ما نزل به من النقم، فيفتحهما الزبانية بكلاليب من نار، وإذا بشار بن برد قد أعطي عينين بعد الكمه لينظر إلى ما نزل به من النكال.»

وكل ما جد بعد المعري من كلام يدخل في باب القصة من الأدب ويذكر فيه الشيطان، فهو تلك القصص التي جمعت باسم ألف ليلة وليلة، واقتبس رواتها ما تداولته الألسنة من أخبار السحرة، وتسخير المردة، وقيام الجان على أرصاد الطلاسم، أو حبسها في الأغوار والقماقم، وهي لا تأتي بابتداع أو اختلاف أو زيادة على ما اعتقده الناس ونظمه الشعراء.

ولم يطرأ على الأدب العربي جديد في هذا الباب حتى مطلع القرن العشرين، ثم نجمت في أوائل القرن العشرين نوازع شتى للتوسع في الاطلاع على آداب الأمم، والبحث في موضوعات الشعر وتعبيراته عند تلك الأمم، ومن موضوعاته الملاحم المطولة، ومن تعبيراته تجسيم المعاني المجردة، والعناصر الطبيعية، وأرواح الغيب وكائناته المشبهة بتماثيل الأحياء.

ونحن في هذا الباب خاصة لا نبحث بحث المؤرخين أو النقاد الأوروبيين، وإنما نراجع ما أحسسناه واختبرناه، ونفهم بواعث النظم والتأليف في هذه الأغراض مما عالجناه، وانبعثنا إليه بوحي الاطلاع وعدوى الخواطر التي يوحيها.

أول ما خطر لنا أن نقارن بين التشبيهات والمعاني المجسمة في اللغات الأوروبية واللغة العربية، وكتبنا في هذه المقارنة عن الكائنات الخفية وعن عجائب المخلوقات وعن الأساطير، مما يطلع عليه القارئ في كتاب «الفصول» ومجمع الأحياء، وأحسسنا الحاجة إلى تصوير بعض العواطف بصورتها الشعرية التمثيلية، فأخذنا في وقت واحد في نظم قصيدة عن سباق الشياطين، وتأليف كتاب نسميه «مذكرات إبليس»، ونخصص كل فصل منه لغواية من الغوايات؛ كالعشق الأثيم، والسرقة، والبغي، والطمع، وسائر هذه الآثام التي تذكر كلما ذكر الشيطان، وكان ذلك حوالي سنة (1912)، وبعد الاطلاع على طائفة من ملاحم الغرب وأساطيره.

فأما سباق الشياطين فقد تمت القصيدة التي نظمناها في موضوعه، وأما مذكرات إبليس فلم يتم منها غير فصل واحد من فصول الأعور ابن إبليس الموكل بالعشق الأثيم، ثم بقيت النية مترددة حول هذا المطلب، حتى تحولنا عنه بعد الحرب العالمية الأولى إلى موضوع القصيدة التي سميناها «ترجمة شيطان»، ونشرت في الجزء الثالث من الديوان.

ناپیژندل شوی مخ