وذلك أنه إذا كان آخر فصل الربيع قدم إليه طيور كثيرة بلق، سود الأعانق، مطوقات الحواصل، سود أطراف الأجنحة، في صياحها بحاحة، يقال لها طير البح، لها صياح عظيم يسد الأفق، فتقصد مكانا في ذلك الجبل، فينفرد منها طائر واحد فيضرب بمنقاره في مكان مخصوص في شعب الجبل عال، لا يمكن الوصول إليه، فإن علق تفرق الطيور عنه، وإن لم يعلق تقدم غيره وضرب بمنقاره في ذلك الموضع، وهكذا واحد بعد واحد إلى أن يعلق واحد منهم بمنقاره، فتفرق عنه الطيور حينئذ، وتذهب إلى حيث جاءت، فلا يزال معلقا إلى أن يموت، فيضمحل في العام القابل فيسقط، فتأتي الطيور على عادتها في السنة القابلة، فتعمل العمل المذكور. قال صاحب السكردان: وقد أخبرني بهذا غير واحد من المصريين ممن شاهد ذلك. وهو مشهور معروف إلى يومنا هذا (١) .
قال أبو بكر الموصلي: سمعت من أعيان أهل الصعيد أنه إذا كان العام مخصبا قبض على طائرين، وإن كان متوسطا قبض على واحد، وإن كان جدبا لم يقبض على شيء.
قال السكردان: وحكى بعضهم أنه رأى في بعض السنين طيرا تعلق بمنقاره، وتفرقت عنه الطيور، ثم اضطرب اضطرابا شديدا، وأطلق نفسه، والتحق بالطيور، فدارت عليه، وجعلت تنقره بمناقيرها إلى أن عاد، وتعلق بمنقاره في ذلك الموضع (٢) .
١٣- وعين شمس؛ وهي هيكل الشمس. قال صاحب مباهج الفكر: وقد خربت، وبقي منها عمودان من حجر صلد، فكان طول كل عمود منهما أربعا وثمانين ذراعا، على رأس كل عمود منهما صورة إنسان على دابة، وعلى رأسهما شبه الصومعة من نحاس، فإذا جرى النيل قطر من رأس كل واحد منهما ماء، لا يجاوز نصف
_________
(١) السكردان ٢٧.
(٢) السكردان ٢٨.
1 / 67