147

الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا خيرا ، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم ؛ فإن القوم إنما يطلبونني ، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري». فقال له إخوته وأبناؤه ، وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : لم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبدا. بدأهم بهذا القول العباس بن علي (عليه السلام)، وتابعه الهاشميون. والتفت الحسين (عليه السلام) إلى بني عقيل ، وقال : «حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذنت لكم». فقالوا : إذا ما يقول الناس وما نقول لهم؟ إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف ، ولا ندري ما صنعوا. لا والله لا نفعل ، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، نقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك. وابتدر مسلم بن عوسجة الأسدي قائلا : أنحن نخلي عنك؟ وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟! أما والله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة. والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك. أما والله لو علمت أني اقتل ثم أحيا ، ثم أحرق ثم أحيا ، ثم أحرق ثم أذرى ، يفعل بي هكذا سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا؟ ثم أعقبه زهير بن القين قائلا : يا أبا عبد الله ، وددت أني اقتل ، ثم انشر ، ثم اقتل ، يفعل بي هكذا ألف مرة وإن الله (عز وجل) يدفع بذلك القتل عن نفسك ، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك. وتكلم بقية أصحابه بما يشبه بعضه بعضا ، فجزاهم الحسين (عليه السلام) خيرا (1)، وفي ذلك الحين قيل لمحمد بن بشير الحضرمي : قد أسر ابنك بثغر الري ، فقال : ما أحب أن يؤسر وأنا أبقى بعده حيا. فقال له الحسين (عليه السلام): «أنت في حل من بيعتي ، فاعمل في فكاك ولدك». قال : لا والله لا أفعل ذلك ، أكلتني السباع حيا إن فارقتك. فقال (عليه السلام): «إذا

مخ ۱۴۸