(156) والفلسفة الموجودة اليوم عند العرب منقولة إليهم من اليونانيين. وقد تحرى الذي نقلها في تسمية المعاني التي فيها أن يسلك الطرق التي ذكرناها. ونحن نجد المسرفين والمبالغين في أن تكون العبارة عنها كلها بالعربية. وقد يشركوا بينها . منها أن يجعلوا لهذين المعنيين اسما بالعربية: فإن الأسطقس سموه " العنصر " وسموا الهيولى " العنصر " أيضا - وأما الأسطقس فلا يسمى " المادة " و" هيولى " - وربما استعملوا " الهيولى " وربما استعملوا " العنصر " مكان " الهيولى " . غير أن التي تركوها على أسمائها اليونانية هي أشياء قليلة. فما كان من المعاني الفلسفية جرى أمر التسمية فيها على المذهب الأول فتلك المعاني يقال إنها مأخوذة من حيث هي معان مدلول عليها بألفاظ الأمتين. وإن كانت المعاني العامية التي منها نقلت إلى المعاني الفلسفية أسماؤها مشتركة لجميع الأمم كانت تلك المعاني الفلسفية مأخوذة من حيث تدل عليها ألفاظ الأمم كلها. وما جرى أمر التسمية فيها على المذاهب الباقية فإنها مأخوذة من حيث تدل عليها ألفاظ الأمة الثانية فقط.
(157) وينبغي أن تؤخذ المعاني الفلسفية إما غير مدلول عليها بلفظ أصلا بل من حيث هي معقولة فقط، وإما إن أخذت مدلولا عليها بالألفاظ فإنما ينبغي أن تؤخذ مدلولا عليها بألفاظ أي أمة اتفقت والاحتفاظ فيها عندما ينطق بها وقت التعليم لشبهها بالمعاني العامية التي منها نقلت ألفاظها. وربما خلطت بها وأوهم فيها أنها هي المعاني العامية بأعيانها في العدد وأنها مواطئة لها في ألفاظها. فلذلك رأى قوم أن لا يعبروا عنها بألفاظ أشباهها بل رأوا أن الأفضل هو أن تجعل لها أسماء مخترعة لك تكن قبل ذلك مستعملة عندهم في الدلالة على شيء أصلا، مركبة من حروفهم على عاداتهم في أشكال ألفاظهم. ولكن هذه الوجوه من الشبه لها غناء ما عند تعليم الوارد على الصناعة في سرعة تفهيمه لتلك المعاني متى كانت العبارة عنها بألفاظ أشباهها من المعاني التي عرفها قبل وروده على الصناعة. غير أنه ينبغي أن يتحرز من أن تصير مغلطة على مثال ما يتحرز به من تغليط الأسماء التي تقال باشتراك.
مخ ۴۷