(91) وظاهر أن كل صادق فهو منحاز بماهية ما خارج النفس. والمنحاز بماهية ما خارج النفس هو أعم من الصادق. أن ما هو منحاز بماهية ما خارج النفس إنما يصير صادقا إذا حصل متصورا في النفس، وهو من قبل أن يتصور منحاز بماهية ما خارج النفس وليس يعد صادقا - وإنما معنى الصادق هو أن يكون المتصور هو بعينه خارج النفس كما تصور - وإنما يحصل الصدق في المتصور بإضافته إلى خارج النفس، وكذلك الكذب فيه. فالصادق بما هو صادق هو بالإضافة إلى منحاز بماهية ما خارج النفس. والمنحاز بماهية ما على الإطلاق من غير أن يشرط فيه هو أعم من الذي هو منحاز بماهية ماخارج النفس. فإن الشيء قد ينحاز بماهية متصورة فقط ولا تكون هي بعينها خارج النفس، أو كانت منها أشياء معقولة متصورة ومتخيلة ليست بصادقة، كقولنا " القطر مشارك للضلع " وكقولنا " الخلاء " فإن الخلاء له ماهية ما، وذلك أنا قد نسأل عن الخلاء " ما هو " ويجاب فيه بما يليق أن يجاب في جواب " ما هو الخلاء " ويكون ذلك قولا شارحا لاسمه وما يشرح الاسم فهو ماهية ما وليست خارج النفس.
(92) وينبغي أن تعلم ما هي الأشياء التي لها ماهيات خارج النفس، فتحصل إذن على المعقولات، وعلى ما عليها تقال، وعلى ماعنها استفادت ماهياتها وهي مادتها. فلذلك إذا قلنا في الشيء " إنه موجود " و" هو موجود " فينبغي أن يسأل القائل لذلك أي المعنيين عنى، هل أراد أن ما يعقل منه صادق أو أراد أن له ماهية ما خارج النفس بوجه ما من الوجوه. وما له ماهية ماخارج النفس، وإن كان عاما، فإنه يقال بالتقديم والتأخير على ترتيب. وهو أن ما كان أكمل ماهية ومستغنيا في أن يحصل ماهية عن باقيها، وباقيها فيحتاج في أن يحصل ماهية وفي أن يعقل إلى هذه المقولة، هي أحرى أن تكون وأن يقال فيها إنها موجودة من باقيها. ثم ما كان من هذه المقولة محتاج في أن يحصل ماهية إلى فصل أو جنس من هذه المقولة كان أنقص ماهية من ذلك الذي هو من هذه المقولة سبب لأن يحصل ماهية. فما كان مما في هذه المقولة سببا لأن تحصل به ماهية شيء منها كان أكمل ماهية وأحرى أن يسمى موجودا. ولا يزال هكذا يرتقي في هذه المقولة إلى الأكمل فالأكمل ماهية إلى أن يحصل فيها ما هو أكمل ماهية ولا يوجد في هذه المقولة ما هو أكمل منها، كان ذلك واحدا أو أكثر من واحد. فيكون ذلك الواحد وتلك الأشياء هي أحرى أن يقال " إنه موجود " من الباقية. فإن صودف شيء خارج عن هذه المقولات كلها هو المسبب في أن يحصل ماهية ما هو أقدم شيء في هذه المقولة، كان ذلك هو السبب في ماهية باقي ما في هذه المقولات، ويكون ما في هذه المقولة هو السبب في ماهية باقي المقولات الأخر. فتكون الموجودات التي يعنى بالموجود فيها ما له ماهية خارج النفس مرتبة بهذا الترتيب.
مخ ۲۹