حروف لاتینی
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
ژانرونه
وأقول لكم الآن: إن المسلمين إذا كانوا من مبدأ أمرهم نظروا إلى فن النقش والتصوير بعين الكراهة لأنه يذكر بأصنام الكعبة التي نعى عليها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإنهم وجهوا ملكتهم الفنية في مجرى آخر هو مجرى فن العمارة وتزويقها، وعلى الخصوص إلى فن الكتابة، فنبذوا خط الجزم وهو الخط الكوفي الأصلي البدائي العسر القراءة، وصبوا خيالهم الفني في الخط العربي المستعمل الآن بأنواعه من ثلثي ونسخي وفارسي ورقعي وغير ذلك، مما تجدون نماذجه مجموعة في آخر معجم «المنجد» الحاضر بين يديكم. وكل نوع من هذه الأنواع له جماله الخاص الفاتن كما ترون.
والناس لا يعيشون بالعقل فقط، بل العواطف والخيال الفني لهما قسط عظيم في تهوين الحياة وتيسيرها على الإنسان، فإذا كنت أقول إن تلك الطريقة ترد بصري حسيرا فإني متفق مع نفسي وشعوري، ولا أريد حقيقة أن أقبلها مهما يكن فيها من تحقيق منفعة أو صحة أداء.
على أنه ما هي تلك المنفعة أو الصحة التي سمعت ذكرها؟ أهي تجعل الناس يقرءون العربية قراءة مضبوطة؟ كلا، ثم كلا. إنها - كما ترون مما رسمته لكم بحسبها - موقعة في اللبس الشديد؛ إذ تلك الزوائد تشتبه الكسرة منها بالميم أو الهاء الساقطة. أو كما قال الأستاذ الشيخ حمروش في رده الذي وزع علينا أيضا ضمن ما وزع أول من أمس: إنها تشتبه بالياء في إحدى طرق الرسم العربي، وإن الضمة فيها تشتبه بالدال، خصوصا إذا كانت في آخر الكلمة. ويشتبه التنوين المضموم بالهاء الأخيرة في بعض طرق الرسم، كما قال الأستاذ الشيخ حمروش أيضا. وتشتبه الواو الساكنة بالفاء والمضمومة بالقاف، وهكذا مما ترون أمامكم من ملاحظاتي وملاحظات الأستاذ الشيخ حمروش.
كلنا يعلم أن الكتابة إما مخطوطة باليد، وإما حاصلة بآلات الطباعة. فلئن كان المشروع مقترحا فيه من جهة الطباعة أن تسبك قوالب خاصة لهذه الحركات والسكنات والشدات والتنوينات توضع في مواطنها إلى جانب الحروف منفصلة قائمة بذاتها، لئن كان هذا، فإن الذي يكتب بيده لا يضع هذه العلامات منفصلة، بل حركة يده المستمرة هي التي تؤديها فتصلها حتما بالحروف فتخرج الكتابة الخطية فضلا عن تشويهها مرتبكة معقدة داعية إلى اللبس والاختلاط.
ثم إذا كان ما يلاحظ على طريقة الحروف اللاتينية أنها غير اقتصادية في الوقت ولا في العمل، فإن طريقة هذا المشروع بما فيه من الزوائد تربو كثيرا على ما يزيد في العمل والوقت إذا استعملت الحروف اللاتينية.
ومن جهة أخرى فإننا جميعا نشكو من الطباعة ومن التصحيف الذي يجري فيها فيحرف الكلمات ويشوش المعنى على القارئ. لكنا لو فكرنا قليلا لوجدنا أن العلة الأساسية لهذا التصحيف إنما هي ملل عامل الطباعة عندنا من صعوبة عمله؛ إذ بينما قوالب الحروف اللاتينية لا تزيد على (25 أو 26) خمسة وعشرين أو ستة وعشرين، وهو عدد حروف أبجديتها، فإن حروف الهجاء العربية فيها ثلاثة وعشرون حرفا، لكل واحد منها قوالب أربعة بحسب ما يكون منفردا، أو في أول الكلمة، أو في وسطها، أو في آخرها، فهذه (92) اثنان وتسعون قالبا. ثم الستة الباقية وهي الألف والدال والذال والراء والزاي والواو لكل منها قالبان بحسب ما يكون متصلا بغيره أو منفردا. فهذه اثنا عشر قالبا بها تكون جملة قوالب الهجاء العربي (104) مائة قالب وأربعة قوالب؛ أي أربعة أمثال قوالب اللاتينية. فتعدد القوالب يكسر قلب العامل، ويورثه السآمة والملل، فيخاطر بفضيلة الإتقان ويهرب منها؛ لأن وقته في العمل محسوب عليه، وتردده بين صناديق القوالب المختلفة للحرف الواحد يوقعه حتما في الخطأ ووجع الدماغ. لكن المشروع يلزم عاملنا فوق هذه المشقة بمشقة أخرى؛ هي أن يرجع أيضا لصناديق الضمة والكسرة والسكون والتنوين البسيط والتنوين المشدد مضموما ومفتوحا ومكسورا!
كل ذلك إذا فرضنا أن مراد المشروع هو استبقاء قوالب الحروف العربية بحسب ما هي عليه اليوم، في عددها وهيكلها الموجودين الآن، وأن تلك الزيادات إنما تأتي مجاورة لها غير متصلة بها. أما إذا فرضنا أن المراد هو أن تعمل في قوالب الحروف فجوات تتلبس بها هذه الشكلات، أو فرضنا أن المراد أن تكون بعض تلك الزوائد جزءا أصليا من بنية الحروف، إذا فرضنا ذلك فإن المصيبة على عامل المطبعة تكون أدهى وأمر.
لئن كان كل كتاب من كتبنا الأدبية أو العلمية التي تطبع الآن ينتهي بصحيفتين، أو أكثر لبيان ما وقع في الطبع من الخطأ وبيان صوابه؛ فإن زيادة العمل التي أتى بها المشروع ستضاعف الأغلاط والتصويبات.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحروف اللاتينية إذا كانت تقطع بين الجديد والقديم، كما أشار إليه حضرة الأستاذ الجارم بك في رده الكتابي علينا، فإن طريقته تقطع بينهما أيضا؛ لأن من يتعودها لا يستطيع أن يقرأ رسم الكتابة الحالي. على أني كنت أود من صميم قلبي أن توجد طريقة لتيسير الكتابة العربية مع استبقاء حروفها الحالية ، ولا زلت أتمنى هذا، ولكني لم أظفر، وأتخيل أني لن أظفر بتحقيق هذه الأمنية المحببة لنفسي ولأنفس أهلي وأهل العربية. ومن يحقق لي هذه الأمنية - وهي جعل كل حرف في الكلمة يدل بذاته على صورته الصوتية دلالة صادقة - فإني أعده وعدا حقا بمكافأته جهد استطاعتي على أحسن وجه يكافأ به فاعل هذا الخير العميم.
مزايا استعمال الحروف اللاتينية (أ)
ناپیژندل شوی مخ