وظلا طوال يومين يلوح أحدهما لآخر، وهما يؤديان أعمالهما اليومية المعتادة. وإذا ما تصادف ومرت كارلا بجواره ولم يكن هناك أحد يراهما، فإنها كانت تطبع قبلة على كتفه من فوق قماش قميصه الصيفي الخفيف.
قال لها: «إن حاولت مرة أخرى أن تهربي بعيدا، فسأضربك.» فردت قائلة: «أحقا ستفعل؟» «ماذا؟» «تضربني؟» «تماما، هو ذاك.» كانت روحه المعنوية مرتفعة بشدة، وكانت جاذبيته لا تقاوم مثلما رأته أول مرة.
وكانت الطيور تنتشر في كل مكان، وقد امتلأت السماء بالطيور السوداء ذات الأجنحة الحمراء، وبعصافير أبي الحناء، وكان هناك زوج من اليمام راح يغرد منذ أن طلع الصباح، وظهرت الكثير من الغربان والنوارس التي انطلقت من فوق البحيرة في مهمات استطلاعية، بينما حطت طيور البغاث الضخمة فوق أحد أشجار السنديان الذابلة التي تقع على مسافة نصف ميل عند أطراف الغابة. وقد جلست في البداية لتجفف أجنحتها الكثيفة، وكانت ترفعها بين الحين والآخر في محاولة للتحليق؛ فقد كانت ترفرف وتطير في دورة حول المكان، ثم تجتمع وتنظم نفسها لكي تسمح للشمس والهواء الدافئ بأن يؤديا مهامهما في تجفيف أجنحتها. وفي غضون يوم أو نحو ذلك استردت الطيور قوتها، وحلقت عاليا، ثم راحت تدور وتقترب من الأرض، وتختفي حينا بين الغابات وتعاود مرة أخرى لتستقر فوق شجرتها الجرداء التي اعتادت عليها.
وظهرت جوي تاكر - مالكة ليزي - مرة أخرى وقد اكتسبت بشرتها بعض السمرة، ولكنها بدت ودودة هذه المرة. كانت قد سئمت من الأمطار وذهبت لتمضي إجازتها في تسلق جبال روكي، وها هي قد عادت الآن.
قال كلارك: «جئت في الوقت المناسب؛ أعني من حيث الطقس.» وراح هو وجوي تاكر يمزحان كما لو أنه لم يحدث بينهما شيء من قبل.
قالت: «تبدو ليزي في حالة جيدة، ولكن أين هي صديقتها الصغيرة؟ ما اسمها؟ ... فلورا؟»
فقال كلارك: «رحلت، ربما ذهبت إلى جبال روكي.» «ثمة الكثير من النعاج البرية هناك، نعاج ذات قرون رائعة.» «لقد سمعت ذلك من قبل.» •••
لنحو ثلاثة أو أربعة أيام انشغل كل من كلارك وكارلا في ممارسة أعمالهما بدرجة لم تمكنهما من الخروج وإلقاء نظرة على صندوق البريد، وعندما فتحته كارلا فيما بعد، وجدت به فاتورة الهاتف، وإعلانا بجائزة قدرها مليون دولار إذا ما اشتركا في إحدى المجلات، وخطابا من السيدة جاميسون.
عزيزتي كارلا
كنت أفكر في الأحداث التي وقعت في الأيام القليلة الماضية (ربما أقول الدرامية بعض الشيء)، وقد وجدت أنني كنت أتحدث إلى نفسي، غير أني في الواقع كنت أتحدث إليك، وقد حدث ذلك كثيرا؛ لذا وجدت أنه من الأفضل أن أتحدث معك بالفعل حتى لو كان ذلك من خلال رسالة - وهي أفضل وسيلة في الوقت الحالي - ولا تقلقي، فليس عليك أن ترسلي أي رد.
ناپیژندل شوی مخ