199

د رسول د دولت جنګونه (لومړی برخه)

حروب دولة الرسول (الجزء الأول)

ژانرونه

ومع النصر البدري الساحق، أصبح النبي مرموق الود من القبائل، خاصة المتاخمة ليثرب، مما وسع نطاق الدولة الوليدة وحدودها، بحدود القبائل الموادعة لها على كافة الطرق، دون أن تعلن هذه القبائل ولاءها الديني لدولة النبي بإشهارها الإسلام. كان الغرض عسكريا وسياسيا في هذه المرحلة من مراحل بناء الدولة، بهدف مرحلي تكتيكي على الطريق الاستراتيجي الطويل، يهدف إلى إضعاف جبهة حكومة الملأ المكية، وتفكيك إيلافها مع القبائل، وإسقاط هيبتها أمام العربان. وقد لحق نتيجة ذلك ضرر جسيم بالعمود الخرساني لمنظومة مكة المتمثل في ثروتها التجارية، وهو ما حدا بالقبائل إلى مراجعة موقفها من قريش، إزاء القوة اليثربية الطالعة، في الوقت الذي أخذت فيه أحوال المسلمين الاقتصادية في التحسن المطرد، بعد أن وضعت بدر بيد المسلمين القوة المادية؛ سلاحا، ومالا، ومنحتهم مزيدا من الثقة النفسية في أنفسهم وفي مشروعهم وفي قائدهم، فامتلئوا - بتلك القوة المعنوية - جرأة، وأخذوا بتأديب المخالفين في يثرب، وإلقاء الرعب في قلوبهم، بل وقتل أي شخص يتجرأ على معارضة الدولة.

هذا - بالطبع - مع نتائج أخطر على مستوى الشكل الاجتماعي للدولة، كناتج طبيعي لتعزيز سلطة النبي الحاكمة، وهي النتائج التي أخذت تتضح في تراجعات الدولة الوليدة عن الأممية المطلقة والأخوة المطلقة التي كادت في بدئها أن تكون مشاعا؛ وذلك بعقد صحيفة المعاقل في مرحلة تالية، التي كانت إعلانا مكتوبا سافرا عن سلطة النبي كسيد مطلق ليثرب جميعا؛ ومن ثم بدأت مع صحيفة المعاقل مرحلة جديدة بتكتيك تمثل في تراجع دقيق ومحسوب عن الأممية المطلقة، لتأخذ الدولة السمت الوسطى بين الأممية، وبين الدعوة إلى صلة الأرحام والمحافظة على العلاقات العشائرية.

وقد بدأت تلك السياسة الوسطية تتضح بعد غزوة بدر مباشرة؛ حيث لحظنا - كما شرحنا في الجزء الأول من هذا العمل - بداية توازن الدولة بين النقائض، فكانت دعوتها لتوحد أممي تحت راية واحدة وفي ظل سيادة دولة موحدة وتحت إمرة سلطة نبوية واحدة، وضمت في شكلها الاقتصادي تقاربا ماديا زاد من ذلك التوحد، لكنها إبان ذلك كانت تضم أيضا الرقيق والعبيد مما حملها من الداخل للون طبقي. ومع التراجع عن التنديد بالثروة والأثرياء، وخفوت صوت المستضعفين في الوحي والأحاديث، بدأت الدولة تفسح بداخلها فجوات المجتمع الطبقي، ثم فجوات المجتمع القبلي معا؛ حيث كانت الدعوة للرحم والعشيرة مدعاة لوضوح شكل الدولة في أضمومات قبلية محزمة وموثقة بوثاق الدولة الواحدة. أما إذا تتبعنا أنساب العشرة المبشرين بالجنة، فسنجدهم تمثيلا قبليا وسياديا لأهم البطون القرشية؛ فهذا أبو بكر وطلحة يمثلان تيما، وهذا علي يمثل هاشما، وهذا عثمان يمثل أمية، وهذا عمر وسعيد بن زيد يمثلان عديا، وهذا عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص يمثلان زهرة وهذا الزبير يمثل أسدا، وهذا أبو عبيدة يمثل فهر بن مالك، وهو التمثيل الذي أصبح يوازي في يثرب حكومة الملأ القرشية في مكة (وقد لوحظ ذلك بذكاء الباحث الأستاذ خليل عبد الكريم).

وتأسيسا على كل ذلك، فإن غزوة بدر قد أفضت إلى نتائج هائلة على المستوى النظري والعملي، وحددت مواقف كثيرة كان الإفصاح عنها مؤجلا حتى يأتي الله بأمره، لكن أهم ما حققته هو وضعها بداية النهاية لسيطرة الملأ القرشي، وسيادة حكومته البدائية شبه الجمهورية، بالقضاء على سادتها المترفين، أولئك المنافس الحقيقي لفكرة الدولة الواحدة. وهو ما سيتم تثبيته بعد زمن بالاعتماد على التوازن بين النقائض، في مملكة وراثية كبرى ستمسك بأعنتها قبيلة النبي، قريش، وهي العودة التي ما كانت لتتم لولا العودة إلى صلات الرحم والعشيرة، التي وضحت في تحرك رحم النبي لأهله الهاشميين في وقعة بدر، وأمره لرجاله بعدم قتل أي من بني هاشم؛ ليتوازن ذلك مع نقيضه من بعد، فيصب الأمر كله بيد الطبقة التي سيتم دعمها بالتدريج خلال حياة الرسول نفسه، لتقف على رأسها الطبقي منظومة قريش القبلية؛ ليظل حال التاريخ العربي والإسلامي بعد ذلك حتى اليوم، إعمالا للمقدس واتباعا له، يظل واقفا على حافة الوضع الاجتماعي الاقتصادي المعروف بالإقطاع التجاري، ويبقى المأثور مصرا على أن الخلافة من قريش، وليس من الأنصار.

ويتضح ذلك جليا عندما نقرأ المراحل اللاحقة في تطور أحوال الأمة الطالعة، بعد أن استقام أمرها؛ حيث بدأت تفتح صدرها تماما للتجار، خاصة بعد فتح مكة، وحيث احتلت طبقتهم في الإسلام مكانا، كان مكانهم الطبيعي في الفرز التطوري. ولا ننسى أن النبي

صلى الله عليه وسلم

كان هو من يحاول دوما جذب تجار مكة وأثريائها لدعوته. وبعد هذه النقلات سنلحظ دون عناء كيف خففت السور اللاحقة والمتأخرة - التي تناغمت بصدقها مع متغيرات الواقع - من حدتها إزاء الأثرياء، وهدأ تنديدها بهم ، مع خفوت متساوق في الاهتمام بقضايا المستضعفين، وبعد أن كان هؤلاء المستضعفون المقاتلون مادة الحركة ووقود حروبها، تحول من بقي منهم حيا إلى طبقة كبار الملاك. وهو ما يكفي أن نذكر له مثلا واحدا فقط، يتعلق بأكبر الصحابة زهدا وتقشفا وورعا، وكان أرق نظرائه حالا وأقلهم مالا.

عن علي رضي الله عنه: «لقد رأيتني مع رسول الله

صلى الله عليه وسلم

وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألف دينار.»

ناپیژندل شوی مخ