178

هنا القرآن

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

ژانرونه

لنقرأ ما ورد فيها من قصة إبراهيم عليه السلام ولنصل إلى قوله لقومه مسفها عبادتهم الأصنام (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهديني * والذي هو يطعمني ويسقيني * وإذا مرضت فهو يشفيني * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) [الشعراء: الآيات77-82].ثم يلتفت لخطاب ربه فيقول: (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم * واغفر لأبي إنه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون) [الشعراء:83-87].وهنا ينتهي كلام إبراهيم بعد كلام الله سبحانه وتعالى الذي يعرفنا بحقيقة هذا اليوم (يوم يبعثون) وبأسلوب لا يعرفه سواه فيقول (يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم * وأزلفت الجنة للمتقين * وبرزت الجحيم للغاوين * وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون * من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون * فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون * قالوا وهم فيها يختصمون * تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين * وما أضلنا إلا المجرمون * فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم * فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم). [الشعراء:88-104].

إن وصف هذا اليوم (بيوم يبعثون) بهذا الإيضاح والتفصيل وبهذا الأسلوب الجميل لا يمكن إلا أن يكون من لدن الله الذي له العلم بما يكون وله الملك يوم الدين وإليه كلنا راجعون ولقد دمج كلامه بكلام خليله إبراهيم ليشعرنا بلطفه ووده ويقربه من عباده الصالحين وأنهم مع ربهم غير مفترقين وكيف لا وهو يقول (والله مع المحسنين) وهذا الأسلوب متكرر وملموس في كثير من المواقع القرآنية ذات القصص الحوارية بين الصالحين وبين المكذبين وإنه لأسلوب لطيف كريم وفضل من ذي الجلال عظيم على كل عبد صالح مستقيم. والملاحظ أن هذا الأسلوب يتكرر كثيرا مع إبراهيم ولكن أليس هو للناس الإمام ولله الخليل فنعم المقام السامق الجليل ولنأخذ موقفا آخر لنجده مندمجا مع ربه فيما يقول في سورة العنكبوت.

(ه) سورة العنكبوت

لنقرأ حوار إبراهيم لقومه كما يحكيه ربه ويعلمه: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون[16] إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون[17]).هل تظنون أن إبراهيم واصل الحوار؟كلا: بل بدأ هنا كلام آخر هو خطاب من الله لقوم الرسول الختام عليه الصلاة والسلام لأن السورة خطاب لهم وللعالمين ولهذا جاء فيها الاستقراء بحكاية نوح وبعض من حوار إبراهيم ثم عاد ليخاطب المكذبين من قوم محمد الأمين فقال: (وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين[18])وهكذا إلى قوله تعالى في الآية 23: (والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم) ست آيات متوالية من 18-23 جاءت استطرادا بين كلام إبراهيم إنه كلام مسوق لخطاب من أرسل إليهم محمد خاتم النبيين وليس مقولا لإبراهيم مع قومه. ولكن الله أورد هذا الاستطراد ليؤكد أن موقف المكذب واحد في كل جيل ومع كل رسول وأن الناس مدعوون للتفكير والنظر في كل عصر وبشكل مستمر (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير[20])كما أن الكافرين بآيات الله ولقائه هم البائسون من رحمته في كل حال وأولئك لهم عذاب أليم بلا جدال.

وهكذا يعود لاستئناف حكاية حوار إبراهيم مع قومه فيقول: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) [العنكبوت: 24].ويتواصل الحوار حتى النهاية ليبدأ مع لوط ومن يليه من المرسلين حتى ينتهي بموسى مع قارون وفرعون وهامان.

(و) سورة لقمان

وفي سورة لقمان نجد الأسلوب واضحا لمن تأمل القرآن فلقد قال الله عنه: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)ثم ينقطع حوار لقمان مع أبيه مؤقتا ليتخلله قوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون)ثم يعود السياق لحكاية بقية مواعظ لقمان لابنه (يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير) وتستمر المواعظ إلى قوله (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)أليس وجود توصية الله للإنسان وفي خلال موعظة لقمان لابنه ما يؤكد عل أن الله يريد أن يقول للناس أن أقوال عبادي المخلصين تعبر عن حكمتي التي آتيتهم كما أن توضيحي تتويج لما أفصح عنه عبدي من الحكمة فالله وعبده الصالح فريق واحد يشع نورا والذي هو نور الله وهداه للعالمين.

ز- سورة نوح

لنصل الآن إلى سورة نوح عليه السلام فإذا قرأنا الآيات سنجده قد دعى وأوضح ثم عاد إلى ربه ملتجئا من أمته وشاكيا إليه فرار قومه من دعوته واستكبارهم عن الاستغفار لربهم لنيل رحمته حتى قال (ثم إني دعوتهم جهارا). حتى: (ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) [نوح:8-12].إلى هنا ينتهي كلام نوح ليبدأ كلام الله موجها إلى من عاصر النبي محمد خاتم النبيين وإلى كل العالمين وهو قوله (ما لكم لا ترجون لله وقارا * وقد خلقكم أطوارا) [نوح:13و14].(ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا * والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا * والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا) [الآيات 15-20]وعاد السياق إلى كلام نوح من جديد وأعاد اسم نوح ليوضح أن كلامه قد انقطع أولا ثم عاد الآن فقال:(قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا * ومكروا مكرا كبارا * وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا * وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) [الآيات:21-24]وهنا ينتهي كلامه ولكنها آيات توضح أسباب الاستكبار وما بعدها يعلن نهاية الاستكبار ولكنها كلام الله وليس كلام لنوح.(مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) [25]ثم يعود السياق إلى كلام نوح عليه السلام مجددا إلى آخر السورة. (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) .

وبعد فنرجوا أن هذا الموضوع قد استبان بهذه التنبيهات وقد أوضح لكم ما التبس من الآيات على المفسرين الذين لم يتأملوا الموضوع بإمعان. ونحن لا نلومهم ولا ندعي أننا خير منهم ولكنا نقدر جهدهم ونضيف هذا الجهد المتواضع إليهم معهم معترفين بالفضل لهم ومقدرين سبقهم لكن السبق لا يعني السلامة من الخطأ كما أن التأخر لا يعني القصور عن الفهم والأداء فالقرآن كتاب الله المنزل للعالمين وكلهم مدعوين ليكونوا متدبرين ومتذكرين وإنما يتذكر أولوا الألباب.الفصل والوصل في القصص القرآني ¶ بعض من الآيات التي وردت في قصص الأنبياء وفي حوارهم مع أقوامهم يظنها المفسرون الأقدمون أنها من كلام الأنبياء مع أن المتأمل بإمعان يعرف أنها من كلام الله ولكن الأسلوب القرآني الجميل يدمج كلام الله مع كلام أوليائه ورسله وعباده الصالحين ليؤكد لنا أنهم مع ربهم فريق واحد وجهة واحدة ولا تفريق بين الله ورسله ولا نريد أن نستمر في الحديث النظري ولكن ندخل في التمثيل والإيضاح وتحديد هذه الآيات التي نريد وهي كما يلي: ¶ (أ) سورة الأنعام ¶ الآية (81) والتي تنتهي بقول إبراهيم عليه السلام لقومه: (فأي الفريقين أحق بالأمن). هنا ينتهي كلام إبراهيم أما الآية التي تلي فهي من قول الله وهي: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).[82]. وهكذا يستمر كلام الله ويتوالى. ¶ (ب) سورة إبراهيم ¶ سنقرأ في الآيات الأول وهذه السورة الآية السادسة وهي قول موسى: (وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم). هنا ينتهي قول موسى، أما الآية التي بعدها وهي قوله: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). [إبراهيم : 7]. أما هذه الآية فهي قول الله ولا تلحق بكلام موسى أنها خطاب من الله لنا وللناس أجمعين ولقد جاءت هنا معترضة بين حديث موسى إلى قومه للتنبيه على أن الشكر هو العصمة من عذاب الإنسان للإنسان وهو الحامي من الطغيان. وهو أسلوب جميل للتذكير ولهذا فلما عاد إلى حوار موسى مع قومه أعاد اسم موسى عليه السلام ولم يجعله ضميرا بل أعاده ظاهرا فقال: (وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد) [إبراهيم: 8]. وهنا ينتهي كلام موسى نهائيا. وفي آخر الآية الثانية من السورة بقوله (وويل للكافرين من عذاب شديد)ثم يبدأ خطاب جديد للقوم الذين أرسل إليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم الذين وصفهم الله بقوله قبل ذلك في الآية (3) من السورة: (الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد). ثم تخلل ذلك حكاية موسى ثم عاد إليهم ملتفتا من الغيبة إلى الخطاب فقال : (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) [إبراهيم:9].وهكذا يستمر الحوار بينهم وبين رسلهم ولا نهاية. فإذا هو يختم بجملة هامة للبت في كلام الرسل ولكن من كلام الله ختم بها كلام رسله وأكد على قولهم ولنقرأه: (وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا) هنا ينتهي كلام الرسل فيختمه الله بقوله (وعلى الله فليتوكل المتوكلون) ليؤكد لنا أن إعلانهم التوكل عليه أولا هو الحق الذي يجب أن يتبعه كل المتوكلين عبر الزمن. ¶ ولن نغادر سورة إبراهيم عليه السلام حتى نقف عند دعاء إبراهيم عليه السلام. فلقد قال ضمن دعائه (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن)فأيد الله كلمته هذه بقوله (وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) [إبراهيم:38].فالجزء الثاني من الآية هو من كلام الله هكذا يتضح وإن كان لا مانع من أن تكون من كلام إبراهيم. ¶ (ج) سورة طه ¶ لنقرأ قصة موسى في السورة لنجد حواره مع فرعون قد تخلله كلام ليس من كلام موسى ولكنه من كلام الله تأكيدا لقول موسى وإيضاحا لنا أن الخطاب من أي رسول كان هو خطاب لكل إنسان في كل زمان ومكان وأن ما يقوله الرسل إنما هو قول منه للعالمين. ولنقرأ: (قال فمن ربكما ياموسى * قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى * قال فما بال القرون الأولى * قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) [طه: الآيات 49-50]. وهنا ينتهي كلام موسى ليبدأ كلام الله للعالمين فيقول:( الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى * كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى * منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) [طه:53-55].ثم نعود إلى سياق الحواريين موسى وفرعون فيقول: (ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى) [طه:56]. وهكذا نستمر حتى نصل إلى موقف السحرة الصلب وإيمانهم الصادق وقولهم لفرعون: (قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا(72) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى) [طه: الآيات72-73].هنا ينتهي كلامهم ويبدأ كلام الله بقوله (إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا * ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا * جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى) [طه: الآيات:72-73]. ¶ (د) سورة الشعراء ¶ لنقرأ ما ورد فيها من قصة إبراهيم عليه السلام ولنصل إلى قوله لقومه مسفها عبادتهم الأصنام (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهديني * والذي هو يطعمني ويسقيني * وإذا مرضت فهو يشفيني * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) [الشعراء: الآيات77-82].ثم يلتفت لخطاب ربه فيقول: (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم * واغفر لأبي إنه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون) [الشعراء:83-87].وهنا ينتهي كلام إبراهيم بعد كلام الله سبحانه وتعالى الذي يعرفنا بحقيقة هذا اليوم (يوم يبعثون) وبأسلوب لا يعرفه سواه فيقول (يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم * وأزلفت الجنة للمتقين * وبرزت الجحيم للغاوين * وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون * من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون * فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون * قالوا وهم فيها يختصمون * تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين * وما أضلنا إلا المجرمون * فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم * فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم). [الشعراء:88-104]. ¶ إن وصف هذا اليوم (بيوم يبعثون) بهذا الإيضاح والتفصيل وبهذا الأسلوب الجميل لا يمكن إلا أن يكون من لدن الله الذي له العلم بما يكون وله الملك يوم الدين وإليه كلنا راجعون ولقد دمج كلامه بكلام خليله إبراهيم ليشعرنا بلطفه ووده ويقربه من عباده الصالحين وأنهم مع ربهم غير مفترقين وكيف لا وهو يقول (والله مع المحسنين) وهذا الأسلوب متكرر وملموس في كثير من المواقع القرآنية ذات القصص الحوارية بين الصالحين وبين المكذبين وإنه لأسلوب لطيف كريم وفضل من ذي الجلال عظيم على كل عبد صالح مستقيم. والملاحظ أن هذا الأسلوب يتكرر كثيرا مع إبراهيم ولكن أليس هو للناس الإمام ولله الخليل فنعم المقام السامق الجليل ولنأخذ موقفا آخر لنجده مندمجا مع ربه فيما يقول في سورة العنكبوت. ¶ (ه) سورة العنكبوت ¶ لنقرأ حوار إبراهيم لقومه كما يحكيه ربه ويعلمه: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون[16] إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون[17]).هل تظنون أن إبراهيم واصل الحوار؟كلا: بل بدأ هنا كلام آخر هو خطاب من الله لقوم الرسول الختام عليه الصلاة والسلام لأن السورة خطاب لهم وللعالمين ولهذا جاء فيها الاستقراء بحكاية نوح وبعض من حوار إبراهيم ثم عاد ليخاطب المكذبين من قوم محمد الأمين فقال: (وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين[18])وهكذا إلى قوله تعالى في الآية 23: (والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم) ست آيات متوالية من 18-23 جاءت استطرادا بين كلام إبراهيم إنه كلام مسوق لخطاب من أرسل إليهم محمد خاتم النبيين وليس مقولا لإبراهيم مع قومه. ولكن الله أورد هذا الاستطراد ليؤكد أن موقف المكذب واحد في كل جيل ومع كل رسول وأن الناس مدعوون للتفكير والنظر في كل عصر وبشكل مستمر (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير[20])كما أن الكافرين بآيات الله ولقائه هم البائسون من رحمته في كل حال وأولئك لهم عذاب أليم بلا جدال. ¶ وهكذا يعود لاستئناف حكاية حوار إبراهيم مع قومه فيقول: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) [العنكبوت: 24].ويتواصل الحوار حتى النهاية ليبدأ مع لوط ومن يليه من المرسلين حتى ينتهي بموسى مع قارون وفرعون وهامان. ¶ (و) سورة لقمان ¶ وفي سورة لقمان نجد الأسلوب واضحا لمن تأمل القرآن فلقد قال الله عنه: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)ثم ينقطع حوار لقمان مع أبيه مؤقتا ليتخلله قوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون)ثم يعود السياق لحكاية بقية مواعظ لقمان لابنه (يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير) وتستمر المواعظ إلى قوله (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)أليس وجود توصية الله للإنسان وفي خلال موعظة لقمان لابنه ما يؤكد عل أن الله يريد أن يقول للناس أن أقوال عبادي المخلصين تعبر عن حكمتي التي آتيتهم كما أن توضيحي تتويج لما أفصح عنه عبدي من الحكمة فالله وعبده الصالح فريق واحد يشع نورا والذي هو نور الله وهداه للعالمين. ¶ ز- سورة نوح ¶ لنصل الآن إلى سورة نوح عليه السلام فإذا قرأنا الآيات سنجده قد دعى وأوضح ثم عاد إلى ربه ملتجئا من أمته وشاكيا إليه فرار قومه من دعوته واستكبارهم عن الاستغفار لربهم لنيل رحمته حتى قال (ثم إني دعوتهم جهارا). حتى: (ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) [نوح:8-12].إلى هنا ينتهي كلام نوح ليبدأ كلام الله موجها إلى من عاصر النبي محمد خاتم النبيين وإلى كل العالمين وهو قوله (ما لكم لا ترجون لله وقارا * وقد خلقكم أطوارا) [نوح:13و14].(ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا * والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا * والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا) [الآيات 15-20]وعاد السياق إلى كلام نوح من جديد وأعاد اسم نوح ليوضح أن كلامه قد انقطع أولا ثم عاد الآن فقال:(قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا * ومكروا مكرا كبارا * وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا * وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) [الآيات:21-24]وهنا ينتهي كلامه ولكنها آيات توضح أسباب الاستكبار وما بعدها يعلن نهاية الاستكبار ولكنها كلام الله وليس كلام لنوح.(مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) [25]ثم يعود السياق إلى كلام نوح عليه السلام مجددا إلى آخر السورة. (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) . ¶ وبعد فنرجوا أن هذا الموضوع قد استبان بهذه التنبيهات وقد أوضح لكم ما التبس من الآيات على المفسرين الذين لم يتأملوا الموضوع بإمعان. ونحن لا نلومهم ولا ندعي أننا خير منهم ولكنا نقدر جهدهم ونضيف هذا الجهد المتواضع إليهم معهم معترفين بالفضل لهم ومقدرين سبقهم لكن السبق لا يعني السلامة من الخطأ كما أن التأخر لا يعني القصور عن الفهم والأداء فالقرآن كتاب الله المنزل للعالمين وكلهم مدعوين ليكونوا متدبرين ومتذكرين وإنما يتذكر أولوا الألباب.

ناپیژندل شوی مخ