ثم بين موقف المكذبين ختم بقوله (لا يؤمنون) ثم قال (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم) فهما فريقان لا بد منهما مع كل الرسل، وللفريقين ضرب المثل ليتضح من صبر ومن كذب وكفر، ومقام من آمن وشكر، وليعرف المؤمنون أن واجبهم هو حمل الرسالة لينالوا التكريم وأن من اتبع الذكر عليه أن يبلغه ويدعو الناس إلى الصراط المستقيم ليفوز بالمغفرة وبجنات النعيم. وإلا فهو من المستهزئين بالآيات وبالمرسلين.
فياحسرة على هذا لنوع من المسلمين الذين يزعمون أنهم أتباع محمد خاتم التبيين، وهم أتباع الهوى والشهوات والطغاة المسرفين، يريدون الإسلام، وهم نوام، ويريدون العزة، وهم عجزة. ويريدون المغفرة من ربهم وهم منقلبون على أعقابهم، مشتغلون بشهواتهم، راضون بالحياة الدنيا من الآخرة، مطمئنون إلى التافه القليل، وفي جمعه عباقرة. يخافون الطغاة، ويريدون أن يكونوا عباد الله، كلا لا يجتمع الشيطان والرحمن في مكان، ولا تجتمع الدنيا والدين في الجنان، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوبه فهو قلب واحد. إما أن يسكنه الشيطان أو يسكنه الرحمن. إما أن يملؤه حب الله وإيثار الآخرة أو تكون الدنيا فيه هي المحبوبة المؤاثرة. فاختاروا أيها المسلمون إحدى الحالين، ولا تكونوا مذبذبين.
أتخافون الموت؟ موتوا شهداء، ولا تموتوا أذلاء.
أتخافون العذاب من الطغاة؟ تحملوا العذاب دعاة إلى الله، أحباء لله الصمد، ولا تعرضوا أنفسكم لعذاب الله الذي لا يعذب عذابه أحد.
كونوا في إيمانكم صادقين، وفي الله مجاهدين، وإلى سبله داعين، لا تكونوا كما قال الله عن المؤمنين الكاذبين:
(ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين * وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) [العنكبوت:10و11]
نعم إن الله يعلم سركم وجهركم، وإليه مصيركم ولن يسطيع أحد أن يدعي أنه دعى إلى الله وحمل رسالة الله وهو لم يعمل شيئا من ذلك بل اتبع هواه.
إن يوم الحساب عسير، ولا تخفى على الله منكم خافية.
ويومها سيقول: من أحب الدنيا والجاه والمال والسلطان واتبع الطاغية ما أغنى عني ماليه* هلك عني سلطانيه.
لكن من صدق واتبع الحق وجاهد في الله وحمل إلى الناس آيات الله هو الفائز في دنياه ويوم يلقاه.
ناپیژندل شوی مخ