اللغة الواحدة
خطاب إلى ولدي
هموم المثقفين
هموم المثقفين
تأليف
زكي نجيب محمود
مقدمة
هموم المثقفين
كلما رأيت القادة في ميدان الحياة الثقافية عندنا، يتجادلون حول قضية سياسية صرف، وكذلك كلما لمست في كتابتهم الرغبة في تسلية القارئ بحيث لا يبقى له شيء بعد الفراغ مما يقرأ، أحسست بإحدى حالتين؛ فإما أن تأخذني الريبة في قيمة ما أكتبه؛ لأنني لم أقصد مرة واحدة إلى شراء القارئ بالتسرية عن نفسه من عناء العمل، ولا حدث لي مرة واحدة أن طمعت في الكتابة السياسية، حتى ليتعذر علي في كثير من الأحيان أن أحدد لنفسي هذه «السياسة» ما هي؟ أهي طعام يؤكل أم شراب يشرب؟ ويكفيني أن أراها تقبل الفكرة ونقيضها في آن واحد، دون أن يكون في مادتها معيار يبين الخط الفاصل بين الخطأ والصواب ، وإما أن يأخذني التعجب من هؤلاء القادة.
لو كانت هموم المثقفين أقل من أن تملأ حياتهم كلها لو أرادوا، لالتمسنا لهم الأعذار في ملء الفراغ بالمشاركة في الكتابة السياسية، برغم علمنا بأنهم في هذه الكتابة السياسية لا يفضلون غيرهم ممن يتخذون منها حرفة؛ أي إنهم بالكتابة السياسية يتركون ما يحسنون إلى ما ليس يحسنون، وإلا فلماذا لا نذكر طه حسين والعقاد والمازني والدكتور هيكل بالمقالات السياسية التي كتبوها؟ إننا إذ نذكر أحدا من هؤلاء، فإنما نذكره بما امتاز به بحكم موهبته، وأعني ما تركه لنا في مجال الأدب والفكر والنقد الأدبي والفني، أو قل إننا نذكره بما تركه لنا في «نقد الحياة» نقدا أراد به أن يبدل لنا قيما بقيم ونظرة حضارية بنظرة أخرى، وحين نقول بحق إن أديبنا العظيم توفيق الحكيم جدير بجائزة نوبل، فإنما نقول ذلك وفي أذهاننا أعمال راسخة وخالدة، كأهل الكهف والملك أوديب والسلطان الحائر، وغيرها مما أبدعه وما نعتز به.
ناپیژندل شوی مخ