ويرجع كثير من الفضل في إبراز الأفراد بفرديتهم التي تصون لهم ملامحهم الشخصية، حتى لا تنطمس مع غيرها في كتلة واحدة بلا ملامح، إلى رجال الفكر منا خلال الثلث الأول من هذا القرن؛ فكان هنالك القادة في المجال السياسي الذين عملوا على أن يكون للأفراد حقوقهم، وأخطر من ذلك أن كان هنالك أيضا قادة في مجال الأدب، أخذوا يؤكدون حق الفرد في أن يكون فردا متميزا بسماته الخاصة، وكان من أهم وسائلهم في هذا السبيل ظهور الشعر الذي يصور به الشاعر فرديته الفريدة المتميزة، قبل أن يجعل من نفسه بوقا للمجتمع الذي هو أحد أفراده، وكذلك ظهور الأدب القصصي والمسرحي؛ لأنه بحكم طبيعته يدور حول أفراد يتفاعلون.
الفكرة الواحدة
صورة لا أنساها قط منذ رأيتها، كأنما هي محفورة في الذاكرة بمسار من لهب، أو كأنها الرموز الهيروغليفية احتفرها الفنان القديم بإزميله على مسلة من حجر الجرانيت؛ وتلك هي صورة عبد الله بن خباب، ذلك الورع التقي الذي صاحب الرسول عليه السلام، وقد سمع - إذ هو في داره المتواضعة على الطريق - ضجة أثارها نفر من الخوارج، فخرج من داره يستطلع الخبر، وكتاب الله معلق حول عنقه، وامرأته الحبلى إلى جواره مخافة أن يصيبه السوء، فما إن ظهر على الطريق حتى فاجأته جماعة الخوارج، فدار بينهما هذا الحوار القصير:
الخوارج :
إن هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك.
ابن خباب :
ما أحياه الله فأحيوه، وما أماته فأميتوه.
الخوارج :
ما تقول في علي بعد التحكيم؟
ابن خباب :
ناپیژندل شوی مخ