يقبع جسد باتروكلوس الميت والحاسر بلا دروع تغطيه (والذي رغم ذلك وبطريقة ما يجرده هيكتور من درع آخيل) عاريا على السهل وينشب حوله صراع معقد ودموي لحمل الجثمان إما إلى المعسكر أو إلى طروادة حيث يمكن امتهانه حسبما هو متعارف عليه. يتمكن هوميروس ببراعة من إتاحة الفرصة لهيكتور للاستيلاء على الدرع، دون الجسد. فمن شأن استيلاء الطرواديين على جثة باتروكلوس أن يعصف بالقصة؛ وذلك لأنه يمكن بعد ذلك إعادتها بمبادلتها بجسد هيكتور، الذي يشكل أمر فديته وتخليصه ذروة الحبكة والانحلال النهائي للعقدة في القصيدة. ولكن يجب أن يلبس هيكتور درع آخيل، ليرمز إلى تملك «آتي» منه وهلاكه البائن.
يرى الكثير من الباحثين أن هذا المشهد نشأ أولا في التقليد الملحمي ليصور التقاتل على جثمان آخيل، ولكن لأن هوميروس لا يريد أن يدرج موت آخيل في قصته؛ لذا فقد كيفها في هذا الموضع لمقتضيات أخرى. وهذا النهج النقدي للقصائد الهوميرية يطلق عليه «التحليل النقدي الحديث»، وهو البحث عن قصائد أقدم غير موثقة كامنة وراء النص الذي حفظ حتى وصل إلى أيدينا. إننا نعرف من روايات لاحقة على «الإلياذة» أن آخيل قتل محاربا عظيما يسمى ممنون، ملك إثيوبيا. وبعد ذلك بفترة وجيزة يقتل باريس آخيل بمعاونة أبولو. وفي «الإلياذة» المعروفة لنا، يقتل باتروكلوس، الذي يقوم مقام آخيل، ساربيدون، الذي يعد حليفا للطرواديين مثلما كان ممنون، ثم يقتل هو نفسه بمعاونة من أبولو. إذن فقد أبقى هوميروس على النمط العام ولكنه بدل الأسماء. وتبرز مسألة ارتداء باتروكلوس لدرع آخيل التشابه. فنجد أن خيول آخيل الإلهية الخالدة تنتحب نحيبا لا ينقطع عند موت باتروكلوس، وهو تصرف أكثر ملاءمة لموت آخيل.
يتخذ التقاتل المطول على جسد باتروكلوس شكل سلسلة من أنماط السرد المتكررة. فنجد محاربا يوبخ آخر على تقاعسه، ويقود المحارب الموبخ هجمة مفاجئة. وهذا النمط يظهر خمس مرات. في نمط آخر نجد رجلا ينادي طلبا للعون ويجاب طلبه. كذا ينادي مينلاوس أياس ابن تيلامون طالبا منه العون، ثم ينادي قادة الآخيين، وأخيرا وباقتراح من أياس يستدعى آخيل عن طريق أنتيلوخوس، أحد أبناء نيستور. وهكذا يغادر أنتيلوخوس ساحة القتال.
يختلط بالسرد التشبيه تلو الآخر، ومعظم هذه التشبيهات يشبه الآثار المدمرة للحرب بالهجمات الضارية للحيوانات أو اصطيادها من قبل حيوانات أخرى ومن قبل البشر. في النهاية يرفع مينلاوس وميريونيس الجسد العاري بينما يعيق الأياسان هيكتور ورفاقه من الطرواديين. (21) «درع آخيل» (الكتاب 18)
كان آخيل سلفا يخشى أن يكون باتروكلوس قد مات، ولكن عندما يبلغه أنتيلوخوس بالحقيقة، نجده يصعق حزنا. يورد أنتيلوخوس الحقائق المجردة، أن باتروكلوس قد مات، وأنهم يتقاتلون على جسده، وأن الدرع في حوزة هيكتور.
لا يقول آخيل أي شيء؛ فلا توجد كلمات يمكن أن تبوح بحزنه. فيسقط على الأرض في يأس بليغ. تسمع أمه الإلهية في أعماق البحر صرخته، وفي شكواه يفصح لثيتيس عن أنه يدرك سير أحداث حياته وأن قصته تدور حول القوة المدمرة للغضب، ذلك الغضب حلو المذاق:
كعبء لا طائل منه على الأرض، وأنا الذي ليس لي نظير في الحرب، من بين الآخيين لابسي البرونز، رغم أنه يوجد من يفوقني حكمة ومشورة؛ فليت الصراع بين الآلهة والبشر ينتهي، وكذلك الغضب الذي يجعل الغضب يتزايد في نفس الرجل، مهما كانت حكمته ويكون مذاقه أحلى من العسل المتقطر ويتمدد كالدخان في صدور الرجال، تماما مثلما دفعني أجاممنون، ملك الرجال إلى الغضب. (الإلياذة، 18، 104-111)
يوافق آخيل على التخلي عن غضبه نحو أجاممنون، فقط لينقله إلى قاتل باتروكلوس، الذي لا يمكنه حاليا أن يهرب. لقد تغيرت دوافع آخيل؛ ففي السابق كان الغبن هو ما يستثير غضبه، والآن شهوة الانتقام. بيد أن حزن آخيل على باتروكلوس سوف يستحيل إلى حزن ثيتيس. إنها تعرف أن سلسلة الأحداث التي انطلقت من عقالها سوف تنتهي بموت آخيل نفسه. إن الأم والابن متحدان في شعورهما بالحزن، الأمر الوحيد الذي يشترك فيه كل البشر.
على الأقل يمكنها أن ترجع من عند هيفايستوس بطاقم جديد من الدروع بدلا من الدروع التي أخذها هيكتور، والتي كانت هي الأخرى دروعا إلهية، ورثها آخيل من بيليوس، الذي حصل عليها من هيفايستوس. وبينما ترتحل إلى الأولمب، يستمر الاقتتال على الأرض على جسد باتروكلوس. فيما سبق تدخل أبولو مباشرة إلى جانب الطرواديين حينما ضرب باتروكلوس على ظهره وتطايرت الدروع الإلهية عن جسده. والآن تتوسط أثينا لصالح الآخيين وتلقي حول آخيل درعها «الأيجيس»
aegis ، وغيمة ذهبية حول رأسه، فيتوهج جسده كنار متوهجة.
ناپیژندل شوی مخ