oikos
باليونانية، كوحدة اقتصادية ذات هيكل سلطة. يقدم هوميروس وصفا وافيا لأسرة أوديسيوس المعيشية على جزيرة إيثاكا، حيث يتمتع سيد المنزل بسلطة مطلقة تصل إلى حد قتل أفراد أسرته المعيشية أو أولئك الذين يهددونها. يمتلك سيد المنزل الأراضي المحيطة والبساتين والقطعان التي يكفل بها أسرته وعبيده. وإذ يلتمس تليماك الدعم من خارج الأسرة المعيشية لوجود انتهاكات داخلها، يطلب انعقاد مجلس للأسر المعيشية المجاورة، وهو الاجتماع الأول منذ عشرين عاما (الأوديسة، 2، 26-27)، ليشكو بشأن الخطاب، بيد أن المجلس المجتمع يفتقر إلى سلطة التصرف. من مجالس كتلك ستنمو فيما بعد الهيئات التشريعية للدول المدن الكلاسيكية القديمة في صورتها التامة.
نشأت «الدولة المدينة» الكلاسيكية القديمة عبر توحيد أسر معيشية كثيرة في وحدة واحدة، بأي وسيلة كانت. ضمت «الدولة المدينة» الأحرار الذين يعيشون ضمن نطاق جغرافي معين، ويشمل ذلك كلا من أولئك الذين كانوا يوجدون داخل مدينة ما بأسوارها ومبانيها وأماكن الاجتماع فيها، وأولئك الذين كانوا يعيشون في المناطق الريفية النائية بمزارعها وعبيدها وماشيتها. كانت «الدولة المدينة» عبارة عن دولة مصغرة وحدت أعضاءها المتباينين عبر أهداف وأساطير مشتركة ومكان للاجتماع (أو ما يطلق باليونانية أجورا
agora ) حيث يلتقي كل الذكور البالغين لاتخاذ قرارات تمس العصبة، وليس فقط الصفوة من أمثال أوديسيوس وآخيل وأجاممنون.
تتركز «الدولة المدينة» حول إله أو آلهة يجسدون قوتها وحيويتها ويكفلون نجاحها. ويتقرب شعائريا من الآلهة بأن يكون لها مناطقها أو معابدها. ويوجد في «الإلياذة» معبد واحد قائم بذاته، حيث يصور هوميروس (الإلياذة، 6، 297) الملكة الطروادية على رأس موكب لوضع ثوب على ركبتي الإلهة أثينا. يحدث هذا المشهد بين جنبات معبد ترعاه كاهنة بحوزتها مفتاح، وهي الإشارة الواضحة الوحيدة في القصائد الهوميرية إلى ممارسة عقائدية شائعة في «الدولة المدينة» الكلاسيكية القديمة. فقد كانت واسطة العقد في مهرجان عموم أثينا في مدينة أثينا هو تقديم ثوب جديد لتمثال الإلهة أثينا في معبد البارثينون. ولكن طروادة، التي كان يحكمها ملك بالوراثة، ليست دولة مدينة يونانية على الإطلاق، وقد تعتمد ممارسة تقديم الثوب على نموذج أدبي شرقي. فعلى مدار 2000 سنة قبل هوميروس، كانت شعوب بلاد ما بين النهرين والمصريون يعتنون يوميا بثياب التماثيل في المزارات المقدسة ويبدلونها بانتظام. ومع ذلك لا تزال تلك التفصيلة تنسجم تماما مع أقدم المعابد القائمة بذاتها ظهورا في اليونان، التي ترجع إلى أوائل القرن الثامن قبل الميلاد (في مدينة بيراكورا بالقرب من مدينة كورنث وعلى جزيرة ساموس).
توجد إشارات أخرى في القصائد الهوميرية تلمح إلى أن «الدولة المدينة» في طور النشوء. فعندما يعرب هيكتور عن أنه «لا عار يلحق بمن يموت وهو يقاتل لأجل بلده؛ إذ ستأمن زوجته وأطفاله من بعده، ودوره ومبانيه لن يصيبها ضر» (الإلياذة، 15، 496-498)، إنما يعرب عن الولاء لمحيط عام وكذلك لمحيط خاص. في «الأوديسة»، يحكم ألكينوس، ملك الفياشيين، مدينة مسورة مشيدة على شبه جزيرة، حيث لا يوجد معابد، وإنما أماكن مخصصة للآلهة.
كانت العلامة المؤكدة على «الدولة المدينة» الناشئة هي طابور الهوبليت، أو التشكيلة السلامية (الفلانكس
phalanx )، التي تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، عندما اصطف المواطنون جنبا إلى جنب في تشكيل صارم من صفوف متعددة متراصة. كان المحارب، ممسكا بالدرع في يده اليسرى، يحمي خاصرة زميله المجاور له بينما يوجه رمحه الطعني المنفرد نحو العدو، الذي اصطف في تشكيلة مماثلة. يشير هوميروس مرات عدة إلى كتيبة سلامية من المقاتلين (مثال ذلك: الإلياذة، 6، 6 والإلياذة، 11، 90)، وهي الكلمة ذاتها المستخدمة للدلالة على تشكيل مقاتلي الهوبليت في «الدولة المدينة» الكلاسيكية القديمة، ولكنها لا يمكن أن تعني الشيء نفسه. ففي تشكيلة الكتيبة السلامية الكلاسيكية القديمة لا يقاتل محارب الهوبليت دفاعا عن نفسه، وإنما لحماية الرجل الذي إلى جواره ولمجد «الدولة المدينة» التي يمثلها تشكيل الكتيبة السلامية. كان مضمون «الدولة المدينة» كله مجسدا في الكتيبة السلامية. أما في القتال الهوميري العشوائي المفتوح، على النقيض، فيقف البطل المنفرد أمام الحشود، متعطشا للظفر بالهتاف والمجد الشخصي، رغم أن المقاتلين المجتمعين يكونون في بعض الأحيان جزءا من تشكيلات مكتظة.
يعد التحول فيما بين أبطال حرب طروادة التواقين للمجد حسب تصوير هوميروس وبين الدول المدن إبان العصر الكلاسيكي اليوناني التواقة للمجد جذريا، وتشكيلات الهوبليت السلامية علامة على أننا قد عبرنا الحد الفاصل. وربما نستطيع أن نرجع تاريخ هذا التحول إلى أوائل القرن السابع قبل الميلاد، قياسا على الدروع المكرسة في حرم زيوس المقدس في جبل الأولمب. كانت الدروع الأقدم، كتلك المذكورة في قصائد هوميروس، تحمل باستخدام حزام عبر الكتف، يسمى «تيلامون»، بينما كان مقاتل الهوبليت يحمل درعه الصغير المستدير بواسطة حلقة معلقة في مركز الدرع وكان يمرر ذراعه خلالها ليحكم قبضته على أداة مثبتة عند طرف الدرع. ومن ثم كان في مقدور مقاتل الهوبليت أن يستخدم درعه كسلاح في المواجهة القريبة. لا يمكننا تتبع تطور طابور الهوبليت على هذا النحو، ولربما كان اختراعا ظهر فجأة في وقت ما في الماضي.
1
ناپیژندل شوی مخ