من يشرب من هذه الكأس من توه، ذلك الرجل،
سيغنم باشتهاء لأفروديت المكللة ببهاء.
أثار الكشف الأثري اهتماما واسعا؛ لأن الكأس تشير فيما يبدو إلى كأس نيستور نفسها التي ورد ذكرها في الكتاب الحادي عشر من «الإلياذة» (الأبيات 632-635)، عندما يأتي باتروكلوس إلى خيمة نيستور ليسأل عن رفيق جريح:
سحبت الجارية أولا أمام الاثنين مائدة جميلة ذات أرجل لازوردية جيدة الصقل، ووضعت عليها سلة من البرونز ومعها بصلة، لإعطاء مذاق لشرابهما، وعسلا فاتح اللون وخبزا من الشعير المبارك بالإضافة إلى كأس جميلة أحضرها الشيخ المسن من منزله، كأس مرصعة بحليات ذهبية ناتئة، ولها أربعة مماسك وحول كل منها زوج من الحمام يلتقم الحب، وبالأسفل قاعدة مزدوجة. وكان من العسير على أي رجل أن يرفع تلك الكأس عن المائدة وهي ملأى، ولكن نيستور الشيخ المسن كان يرفعها بسهولة. (الإلياذة، 11، 628-637)
HOSNUNORXESTONPANTONATALOTATAPAIZEITOTODEK{M}M{N-
من من بين كل الراقصين الآن الأكثر رشاقة في رقصه ...؟
عثر هاينريش شليمان (1822-1890)، الأب المؤسس لعلم الآثار المختص بالعصر البرونزي اليوناني، على كأس في أحد القبور العمودية في مدينة ميسينيا (موكناي) يضاهي وصف هوميروس، وأشار إلى أن الكأس قد تكون إرثا ميسينيا. «نقش كأس نيستور» النادر هو دعابة ويعبر على الأرجح عن مباراة كلامية للتغلب على الآخر بالكلام كانت تلعب في حفل لشرب الخمر في إسكيا في القرن الثامن قبل الميلاد. ادعى أحدهم مازحا أن هذه الكأس الرودسية الفخارية المتواضعة هي «كأس نيستور» الشهيرة المذكورة في «الإلياذة». ومن الأشكال الموثقة للكتابة الأبجدية القديمة «صيغة اللعنة»، التي تبدأ بعبارة مثل: «من يسرق هذه الكأس ...» سيحدث له شيء سيئ. فيبدأ متناول الشراب الثاني لعنة كهذه «من يشرب من هذه الكأس ...» عندئذ يلفظ متناول الشراب الثالث حكمه: أن يقاسي علاقة جنسية ممتعة! مزحة جيدة.
لا بد أننا نشعر بالذهول حين نفطن إلى أن واحدة من أقدم نقشين يونانيين «طويلين» في العالم، في التقنية المقدر لها أن تغير الحياة البشرية إلى الأبد، ليست تسجيلا لغزو عسكري، ولا لمقياس للحبوب، ولا لنذير سوء، وإنما الترميز الأبجدي لمزحة مخمور مصاغة بوزن سداسي (وافتتاحية نثرية) تشير بطريقة مقنعة إلى نفس نسخة «الإلياذة» المعروفة لنا في العصر الحاضر. إن أقدم نقش كتابي في العالم الغربي هو إشارة أدبية، وكأننا نحيا في حلم.
من الواضح أن هؤلاء البحارة المخمورين الملمين بالقراءة والكتابة القاطنين على بعد ألفي ميل من الوطن، على حافة العالم، قد عرفوا شعر هوميروس المتداول في زمنهم جيدا؛ لأن المزحة تعتمد على التفاوت بين كأس هوميروس الثقيلة المزخرفة، والنموذج الرودسي المتواضع. إن كانت «كأس نيستور» ذات النقش هي نفس الكأس الموصوفة في الكتاب الحادي عشر من «الإلياذة»، فلا بد أن نصا «للإلياذة» كان موجودا قبل عمل النقش حوالي عام 740 قبل الميلاد، حيث نظمت الإلياذة في «الزمن الذي قبله» (terminus ante quem) . وعلى الرغم من اعتقاد البعض أن كأس نيستور كانت فكرة تقليدية على ألسنة شعراء كثيرين، فإن كأس نيستور الوحيدة التي لدينا معلومات عنها هي الكأس الموصوفة في النص الشائع ل «الإلياذة».
لذلك كانت الأبجدية اليونانية تستخدم منذ أقدم العصور لتدوين الشعر الملحمي. ولما كانت نصوص هوميروس لا يمكن أن تسبق زمنيا الأبجدية اليونانية، ولأنه لا يوجد شيء موصوف في القصائد الهوميرية يأتي زمنيا بعد عام 700 قبل الميلاد؛ ولأن من المحتمل أن نقش كأس نيستور يشير إلى نص من نصوص «الإلياذة»، وبسبب الظروف الاجتماعية والتاريخية التي تعكسها القصائد (طالع الفصل التالي)، وبسبب الكثير من الصيغ النحوية بالغة القدم، إذن لا بد وأن النصوص الأولى من القصائد الهوميرية تنتمي إلى القرن الثامن قبل الميلاد. في أي وقت من القرن الثامن؟ يضعه الكثير من الباحثين في النصف الثاني، وذلك من أجل منح الأبجدية فرصة حتى «تنضج» وتصير متطورة بما فيه الكفاية لتشكيل ما وصلنا من نصوص. ولكن الأبجدية لم تبدأ كوسيلة بدائية صارت أكثر تطورا بمرور الوقت. فقد ظهرت الأبجدية اليونانية وسط تقليد يعتمد على تسجيل النصوص عن طريق الإملاء، لربما كان عمره يبلغ 1000 عام في أيام هوميروس. كما أن وضع هوميروس في النصف الثاني من القرن الثامن قبل الميلاد لا يأخذ في الاعتبار على نحو كاف عدم معرفة هوميروس بتقليد الكتابة الذي أتاح وجود نصوصه، والذي لا يشير إليه مطلقا. ونظرا لأن الشعر الشفاهي يعكس الظروف المتغيرة بسرعة، ولأن الكتابة مفيدة للغاية في بناء الحبكات (ويتضح ذلك مرارا في أدب ما بعد هوميروس)، فلا بد وأن نصوص هوميروس قد تشكلت في وقت قريب لاختراع الأبجدية حوالي عام 800 قبل الميلاد، قبل أن تصبح أهمية الكتابة ومنفعتها أمرا شائعا. وقد ذكرت أسطورة يونانية أن رجلا يسمى بلاميدس اخترع الأبجدية اليونانية، وربما يكون قد فعل. وتقول الأساطير الإغريقية إن بلاميدس كان عوبيا عاش في نوبليوس ، «مدينة السفن» (ليس مدينة نافبليو (ناوبليون) الواقعة ضمن إقليم بيلوبونيز). ولأن الأساطير غالبا ما تحتفظ بأسماء حقيقية، فقد يكون بلاميدس هو اسم ناسخ القصائد الهوميرية، عدا أننا لا نستطيع أن نثبت هذا الأمر.
ناپیژندل شوی مخ