124

وإذ أتم مقصده، يغادر ثيوكليمينوس القصر ويختفي. وينفجر الخطاب، الذين أذهبت الخمر والدماء واللحم والجنس والكبر عقولهم، في الضحك أكثر وأكثر، وهم لا يشكون مطلقا في أنهم قد أكلوا طعامهم الأخير على الأرض. (21) «مسابقة القوس» (الكتاب 21)

كل شيء جاهز للتعرف الكبير، حين سيميط اختبار للمهارة والقوة اللثام عن الملك الحقيقي. للأسف من المستحيل أن نفهم تحديدا تصور هوميروس لمسابقة رمي السهام. الجانب الأكثر إثارة للحيرة من هذا الوصف هو أنه استلزم أن يمر السهم «عبر الاثنتي عشرة بلطة جميعها» (21، 76) و«عبر الحديد» (21، 97). كيف يمكن لسهم أن يمر عبر الحديد؟ ثمة تفسير شائع لذلك هو أن رءوس الاثنتي عشرة بلطة كانت مدفونة في أرض طينية في خندق، وشفراتها لأسفل وفتحات مقابضها للأعلى ومتراصة في صف، وأنه بهذا المعنى أطلق سهمه «عبر الحديد». إن كان الأمر كذلك، فيجب أن يطلق السهم على مقربة شديدة من الأرض، وأن يكون رامي السهام جالسا القرفصاء؛ من غير المرجح أن يكون من الممكن القيام برمية كهذه في عالم الواقع. الاقتراح الشائع الثاني هو أن البلطات كانت مثل البلطات المينوية المزدوجة، التي فيها تتقوس الشفرات إلى الخلف تقوسا كبيرا نحو المقبض، لتشكل دائرة مفتوحة نوعا ما عند نهاية المقبض. في هذه الحالة كانت المقابض ستكون متراصة عموديا في صف في الأرض حتى تشكل الدائرة في قمة كل بلطة ما يشبه الأنبوب. إن كان كذلك، فما فائدة الخندق؟ لا يمكننا أيضا أن نكون متيقنين من المكان الذي وضعت فيه البلطات؛ لأنها إن كانت وضعت في القاعة المركزية، فستكون المدفأة في المنتصف. من المحتمل ألا يكون هوميروس نفسه قد فهم طبيعة المسابقة، التي أصبح تفسيرها المتسق الأصلي، المتعذر التوصل إليه في الوقت الحاضر، مفقودا في التراث.

يتغلب أبطال الحكاية الشعبية على أعدائهم بأسلحة خاصة، مثلما أعمى أوديسيوس السايكلوب بوتد خاص مقسى بالنار (بدلا من السيف الذي كان يحمله). والسلاح الخاص هنا هو قوس كان يوما ما ملكا لإيفيتوس، ابن رامي السهام العظيم الأسطوري أوريتوس. قتل هرقل إيفيتوس عندما جاء إيفيتوس إلى منزله بحثا عن بعض الأفراس المفقودة. لأجل هذه الجريمة المروعة في حق مبدأ «حسن الضيافة»، دفع هرقل ثمنا باهظا، حسب تراث لاحق؛ إذ بيع عبدا إلى ملكة مملكة ليديا. وكما عانى إيفيتوس التعدي على مبدأ «حسن الضيافة»، الآن سوف يثأر قوسه من أولئك الذين ارتكبوا جريمة مماثلة.

يعيد مشهد تعرف سريع في الفناء الخارجي بين أوديسيوس والمخلصين فيلوتيوس وإيومايوس، مستندا مرة أخرى إلى أمارة الندبة، هذين الرجلين إلى حبكة القصة. يوجد الآن أربعة رجال في مواجهة أكثر من 100 من الخطاب وحلفائهم.

إن الجهود التي يبذلها الشبان العاجزون لاستعمال سلاح حقيقي يملكه رجل حقيقي هي جهود تبعث على الشفقة. يتجنب أنطونيوس، وهو يرى فشل رفقائه، الحرج بأن يقترح أن يوقفوا المسابقة وينذروا أنفسهم للشراب؛ مثلما شرب السايكلوب قبل أن يتغلب عليه أوديسيوس. تدافع بينيلوبي عن حق المتسول في تجربة القوس، مع أنها بالتأكيد لن تتزوجه! فيلتقط إيومايوس القوس ليعطيها لأوديسيوس، ثم يضعها أرضا بناء على مطالبة صاخبة من الخطاب، ثم تحت تهديدات من تليماك يعود لالتقاطه ثانية. ترتفع حدة التوتر ونحن نصل إلى الفاجعة التي سوف تحل عقدة الحبكة.

يتفقد أوديسيوس القوس، ثم يشد وتره دون عناء، مثل منشد يضع وترا جديدا لقيثارته، حسبما يورد هوميروس في إشارة واضحة. من المؤكد أن هوميروس عند هذا الموضع نقر على وتر قيثارته، لتوضيح قوله، وهو من المقامات النادرة التي يمكننا فيها إعادة بناء المصاحبة الموسيقية لغناء الإنشاد الملحمي. إن الرمية مضمونة، ولكن الوحش ذا المائة وعشرين فما، المخمور والأخرق مثل بوليفيموس، حتى الآن لا يفهم أنه على شفا الموت. (22) «مجزرة الخطاب» (الكتاب 22)

مثل سوبرمان، يخلع أوديسيوس أسماله البالية وبسرعة تأخذ العقل يلقي بجعبة السهام عند قدميه. إن هيئته تشبه هيئة إله، وكأن الأمر تجل لأحد الآلهة. كان ذلك ما يترتب على انتهاك مبدأ «حسن الضيافة» من مخاطر؛ لأنه أحيانا «كان» الغريب يمثل إلها. إن أمثال هؤلاء الحمقى، معدومي العقل والحكمة، يستحقون الموت. يطلق أوديسيوس سهما يخترق حلقوم أول الخطاب، الزعيم أنطونيوس، وهو يشرب من كأس ذهبية، ويختلط دمه بدم اللحم الذي كان يأكله. ما زال حدثاء الأسنان والسفهاء، في طور جنونهم المخمور، لم يتبينوا هوية أوديسيوس ولم يدركوا ما يحدث لهم. بالطبع يحق لها، قبل إعدامهم، أن يعرفوا السبب وراء إزهاق أرواحهم. ثمة صواب وخطأ، والمجرمون مثل إيجيسثوس وكلتمنسترا والخطاب في حالتنا هذه يجب أن يدفعوا ثمن جرائمهم:

أيها الكلاب، ظننتم أنني لن أعود أبدا إلى الديار من بلاد الطرواديين؛ لذا عثتم في منزلي فسادا وأجبرتم الوصيفات على مضاجعتكم، ومع أنني ما زلت حيا خطبتم ود زوجتي، دون خشية من الآلهة الذين يمسكون بالسماء الواسعة ولا من سخط البشر في المستقبل. والآن حلت سراعا عليكم جميعا ساعة الهلاك. (الأوديسة، 22، 35-41)

يلقي الزعيم الآخر يوريماخوس باللوم كله على أنطونيوس بعبارات واهنة، كما لو أن أوديسيوس لم يكن في المنزل معهم وتعرض لإيذاء مباشر من يوريماخوس نفسه. يماثل عرض التعويض الذي يقدمه عرض أجاممنون لآخيل في «الإلياذة»، أو عرض السايكلوب عندما يرغب في إقناع أوديسيوس وهو يهرب بأن يعود إلى كهفه وينال واجب الضيافة

xenia «هدايا رمزية». يا له من أحمق! لا جدوى من الالتماس؛ فالصواب لا بد وأن ينتصر على الخطأ، والعدل لا بد وأن ينتصر على البغي.

ناپیژندل شوی مخ