eidolon «صورة». فهرقل الحقيقي في السماء، متزوج من هيبي «إلهة الشباب». وفجأة يفزع حشد غفير من الأرواح أوديسيوس. ويخشى من احتمال ظهور رأس الجورجونة. فيوقف استحضار الأرواح ويعود إلى سفينته. (12) «السيرينات»، و«سيلا وتشاريبدس»، و«ماشية هيليوس» (الكتاب 12)
من المفترض أن أوديسيوس قد عبر نهر أوقيانوس ليعرف من تيريسياس كيفية الوصول إلى الديار. لم يخبره تيريسياس، ولكن عندما يعود أوديسيوس إلى جزيرة سيرس، تعطيه إرشادات دقيقة بشأن الأخطار المحدقة وما يتعين عليه فعله. القصص الثلاث الأخيرة من مغامرات أوديسيوس هي قصص معروفة جدا، مما يجعل من الصعب قراءتها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من القصيدة. وإننا لنتساءل: كيف كان وقعها على أسماع جمهور يوناني؟
تمثل السيرينات (وهي الكلمة التي منها جاءت كلمة «السارينة/صفارة الإنذار»)، شأنهما شأن سيرس، القوة الأنثوية الفتاكة الفاتنة ذات الجاذبية التي لا تقاوم، ولكنها مميتة. وهما تجسدان مبالغة غريبة فيما يتعلق بقدرة المنشد الملحمي، الذي يبعث غناؤه على «السرور»، كما يقول هوميروس مرات عديدة؛ إن غناءهما يبعث على السرور أيضا، ولكن الثمن هو الموت. تحتوي القصة على عناصر مشتركة مع الحكاية الشعبية التوراتية عن آدم وحواء، اللذين أكلا من شجرة معرفة الخير والشر؛ لأن السيرينات أيضا تقدمان المعرفة:
هلم إلى هنا، فيما أنت مسافر، يا أوديسيوس ذائع الصيت، يا فخر الآخيين العظيم. ألق مرساتك حتى يتسنى لك أن تستمع إلى صوتينا. فما من رجل جدف مغادرا هذه الجزيرة في سفينته السوداء إلا بعد أن يكون قد سمع الصوت العذب الصادر من شفاهنا. لا، بل يسعد به ويمضي في طريقه رجلا أكثر حكمة؛ إذ إننا نعلم كل المتاعب التي كابدها الأرجوسيون والطرواديون في طروادة الرحيبة بمشيئة الآلهة، ونعلم كل الأمور التي جرت على الأرض الخصيبة. (الأوديسة، 12، 184-191)
تعرف السيرينات، كشأن الميوزات، كل شيء عما حدث عند طروادة ويمكنهما أن تجيبا على أي أسئلة قد تراودك. طرد آدم وحواء من الجنة لأكلهما ثمرة الفاكهة من الشجرة، ولكن أوديسيوس بحكمته معه كعكته ويأكلها. بينما هو مربوط إلى صاري السفينة ليأمن شر السيرينات، يتوقع أنه سوف يتضرع إلى رجاله كي يفكوا وثاقه، ولكنه يتحايل على إرادته نفسها بأن يأمر رجاله أن يعكسوا معنى كلماته وأن يحكموا وثاقه أكثر. في هذه القصة، كما في المغامرات عموما، لا يعتبر أوديسيوس شخصية في عمل أدبي بقدر ما يعد رمزا للروح البشرية، التواقة إلى مغامرة لذيذة وشهوانية دون الاضطرار إلى دفع الثمن الرهيب. وأحيانا ما يجعل الذكاء، أو بمعنى أصح الحيلة، ذلك ممكنا.
ولأن سيرس وضعت إرشادات دقيقة، فإننا قد نستحسن التزام أوديسيوس الصمت تجاه رجاله بشأن سيلا وتشاريبدس إذ لم يذكر كلمة عنهما لرجاله. إن سيلا أنثى، هي الأخرى، ولكنها وحش بالكامل، لها ست رءوس واثنتا عشرة رجلا أفعوانية وتنبح كالكلب، فهي شيطان الموت . نبهته سيرس إلى أن تشاريبدس الدوامة هي بمثابة موت محقق للجميع، إلا أن سيلا ، التي لا يوجد دفاع مستطاع في مواجهتها، سوف تأخذ ستة رجال (مثل عدد من ماتوا في كل قارب عند جزيرة إزماروس على يد شعب السيكون، ومثل عدد من ماتوا في كهف السايكلوب). ومع ذلك يتسلح أوديسيوس ويلبس الدروع، وهو ينوي أن يحارب حتى النهاية في تحد سافر لنصيحة سيرس. ولا ينفعه ذلك في شيء.
تقع المغامرة الطويلة في ثالث ثالوث المغامرات على ثريناسيا، جزيرة هيليوس، إله الشمس. كان يعتقد منذ وقت مبكر أن ثريناسيا هي جزيرة صقلية؛ إذ يبدو أن سيلا وتشاريبدس هما صورة أسطورية لمضيق ميسينا الخطر، الواقع بين طرف بر إيطاليا الرئيسي (الذي يبدو على الخريطة في شكل حذاء طويل الرقبة) وبين جزيرة صقلية. كان البحارة العوبيون قد ارتحلوا خلال نفس هذه المياه في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد، وإلى وقتنا الحاضر ما زالت السياحة الإيطالية تروج لصقلية على أنها «جزيرة الشمس».
تتمحور هذه الحكاية الشعبية، أيضا، حول انتهاك المنهي عنه، ولكن المرء يتساءل كيف نفذ هيليوس إلى القصة، وهو إله لا يكاد يظهر أبدا في الأساطير الإغريقية إلا باعتباره شاهدا على العهود. ثمة قصة مصرية نادرة تسمى «الملاح التائه» ترجع إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، يرسو فيها البحار على جزيرة رع، إله الشمس، وقد تكون الموتيفة انتقلت بطريقة ما إلى هوميروس من هذا المصدر (إلا أنه في القصة المصرية لا يعيش على الجزيرة إلا ثعبان عطوف). يبدو أن ماشية هيليوس البالغ عددها 350 ترمز إلى حوالي 350 يوما في العام.
كما رأينا، يختص هوميروس بالذكر قصة ماشية هيليوس في استهلال القصيدة حتى تلخص كل المغامرات، وهي تشتمل على موتيفات محورية. يغلب النعاس أوديسيوس في التلال بينما يلتهم رجاله الماشية، مثلما غلبه النعاس قبالة شواطئ إيثاكا عند مجيئه من جزيرة أيولس. ومجددا يبدي رجاله عنادا وينقادون لشهوة البطن ويغلبونها على غايتهم؛ وهي العودة إلى ديارهم أحياء.
وهكذا أخذهم الموت جميعا عدا واحد، كما هي العادة في الحكاية الشعبية. وعندئذ صار أوديسيوس بمفرده. (13) «عودة أوديسيوس» (الكتاب 13)
ناپیژندل شوی مخ