113

يحتل ما يلي أهمية بالغة لدى المؤرخين الأدبيين؛ لأن هوميروس يصف كيفية ممارسة المنشد الملحمي لما يقوم به. في الوليمة يطلب أوديسيوس أغنية «عن حصان طروادة»، أغنية في هذا الموضوع وليس بهذا العنوان، فما يكون من ديمودوكوس إلا أن «يستغرق في سرد الحكاية» منذ كان الآخيون يبحرون مغادرين، كما لو كانت «الحكاية» هنالك في مكان ما تنتظره، مكان ما في مجمع التقليد. يختبر أوديسيوس معرفة المنشد الملحمي بهذا التقليد:

إذا رويت لي بالفعل هذه الحكاية كما ينبغي أن تروى، سأعلن للبشرية جمعاء أن الآلهة بقلب متهيئ قد وهبتك منحة الغناء الإلهي. (الأوديسة، 8، 496-498)

ومع ذلك، يبدأ ديمودوكوس من حيث يشاء ويمضي كما يحلو له إلى أن يبكي أوديسيوس، للمرة الثانية، منشئا مشهد تعرف دراميا ونقطة وسطى في حبكة «الأوديسة». والسبب هو أنه الرجل الذي حوله تنشد الأغنية، أوديسيوس، الرجل واسع الحيلة ذو القدرات الكثيرة! (9) المجموعة الأولى: «شعب السيكون، آكلو اللوتس، السايكلوب» (الكتاب 9)

إن أوديسيوس هو أيضا الرجل الذي اختبر الكثير من المعاناة، محتملا كربا تلو آخر. وقد فعل هذا من أجل «الشهرة/الذكر»، ويفعله من أجل الوطن:

أنا أوديسيوس، ابن ليرتيس، يعرفني كل الرجال لخدعي الحربية، وشهرتي ترتفع إلى عنان السماء. أستوطن إيثاكا الواضحة للعيان؛ حيث يوجد جبل نيريتوس المغطى بالغابات ذات الأشجار المتهادية، البارز من بعيد، وحولها تقع جزر عدة قريبة من بعضها، دوليتشيوم وسيمي وزاكينثوس المشجرة. أما إيثاكا نفسها فتقع على مقربة من البر الرئيسي أبعد ما يكون نحو الظلمة، ولكن الجزر الأخرى تقع متفرقة نحو الفجر والشمس؛ هي جزيرة وعرة ولكنها مرعى جيد للشبان. وفيما يخصني لا يسعني أن أرى شيئا أحلى من بلد المرء. (الأوديسة، 9، 19-28)

لم يفسر أحد كيف يمكن لإيثاكا أن تكون «أبعد ما يكون نحو الظلمة»؛ لأن الجزر الأخرى من مجموعة الجزر الأيونية تقع على مسافة أبعد جهة الغرب، ولسنا متيقنين من الجزر التي يقصدها بجزيرة دوليتشيوم (هل يقصد ليفكاس الحالية؟) وسيمي (من المرجح أنه يقصد جزيرة كيفالونيا). ومع ذلك، ففي تفاصيل أخرى يبدو هوميروس وكأنه كان لديه معرفة مباشرة بالجزيرة.

الآن يبدأ أوديسيوس حكايته، أشهر المغامرات في الأدب العالمي، وهو ما يعتقد الكثيرون أنه موضوع «الأوديسة»، على الرغم من أن القصيدة أكثر اهتماما بالدراما المحلية عن المغامرات الخيالية. فالمغامرات تنتظم في أربع مجموعات ثلاثية، كل مجموعة تتألف من مغامرتين قصيرتين وواحدة طويلة، وفي الوسط نجد الرحلة إلى العالم السفلي، في نوع من النظم الدائري وعلامة واضحة على اهتمام الشاعر بوضع سرده في نمط هندسي. تبدأ المغامرات في عالم معروف، هو أرض شعب السيكون، وهي قبيلة حقيقية في منطقة تراقيا شمال غرب طروادة، في مغامرة تحاكي العدوان على طروادة في صورة مصغرة. مرة أخرى يسلك الآخيون مسلك قطاع طرق يسلبون وينهبون مدينة، ولكن هذه المرة لا تمضي الأمور كما يتمنون. فخلافا لنصيحة أوديسيوس، لا يغادر الإيثاكيون على الفور. وفي اليوم التالي يجتاحهم السيكون ويقتلون ستة رجال من كل قارب (مثلما سيموت ستة رجال في كهف السايكلوب وستة بين مجسات الحورية/الوحش البحري سيلا). يعد التوتر بين القائد ورجاله من الموضوعات المحورية في عودة أوديسيوس إلى الوطن؛ إذ يستسلمون للشره والجوع، لشهوة البطن (مثل الخطاب)، في حين يتذكر أوديسيوس (عادة) مبتغاه الذي يتجاوز شهوة مؤقتة، وهو أن يصل إلى الديار (ليولد من جديد).

قبالة كيب ماليا، الطرف الجنوبي الشرقي لشبه جزيرة بيلوبونيز الذي تضربه عواصف عاتية على طريق البحارة العوبيين بين الشرق والغرب، تقودهم عاصفة لتسعة أيام وتسع ليال بعيدا إلى أرض خيالية. يشعر آكلو اللوتس بالسعادة، ولكنهم مخدرون. لذا عندما يأكل رجال أوديسيوس اللوتس، ينسون حاجتهم للعودة للديار. إن نباتات اللوتس الحقيقية ليست نباتات مخدرة، وإن كانت نباتا مقدسا في الفن الديني المصري. ربما ينبغي لنا أن نفكر في آكلي اللوتس على أنهم موجودون على ساحل أفريقيا.

أول قصة طويلة هي مغامرة بوليفيموس السايكلوب (السايكلوب يعني حرفيا «ذو العين المستديرة»)، وهي واحدة من أشهر القصص على الإطلاق. يكشف رسو أوديسيوس على جزيرة مقابلة لأرض السايكلوب عن العين الفطنة الثاقبة للمستعمر؛ إذ يرى على الفور الكيفية التي يمكن بها تنمية الأرض وتحسينها. للأسف لا يعرف جنس السايكلوب فنون الحضارة، وفنون الزراعة، والملاحة البحرية. ليس لديهم حياة سياسية، ولكنهم يعيشون في وحدات أسرية منفردة. ولا يصنعون الخبز. إنهم أقوياء ولكنهم أغبياء، وعلى مستوى واقعي يمثلون الشعوب الأجنبية التي تنازع معها المستعمرون اليونانيون في البلدان الغربية.

علاوة على كل ذلك، لا يحترم بوليفيموس قواعد «حسن الضيافة»، التي أبديت لتليماك في بيلوس وإسبرطة. يمضي أوديسيوس أياما على جزيرة سكيريا قبل أن يسأله أحد عن هويته، في حين أن بوليفيموس عندما يرى اليونانيين المهزولين لأول مرة يسألهم على الفور «من أنتم؟» وبدلا من إطعام ضيوفه يأكلهم! وكهدية رمزية لأوديسيوس، سوف يكون آخر من يؤكل. إن بوليفيموس مثل الخطاب الذين يلتهمون ثروة أوديسيوس، ولكن في النهاية يقضى عليهم بواسطة حيلة، عندما يدخل رجل، يتظاهر بأنه شخص آخر، إلى قاعة الولائم المظلمة.

ناپیژندل شوی مخ