105

nostos

رفقائه إلى وطنهم. ومع هذا فإنه لم ينقذ رفقاءه، رغم أنه تمنى كثيرا أن يفعل؛ لأنهم هلكوا جراء حماقتهم العمياء؛ الحمقى! الذين التهموا ماشية هيليوس هيبريون، الذي سلب منهم يوم عودتهم إلى وطنهم. عن هذه الأمور، أخبرينا أيتها الإلهة، يا ابنة زيوس، مبتدئة من حيث تشائين. (الأوديسة، 1، 1-10)

الجريمة لا تفيد، ولهذا السبب مات رجال أوديسيوس ونجا هو . لقد خالفوا القواعد، وانتهكوا المحرمات. فقد أكلوا ماشية الشمس في حين أنهم لم يكن ينبغي لهم فعل ذلك، ولكن أوديسيوس لم يفعل ونجا. فهو «الرجل ذو القدرات الكثيرة»؛ لأنه لين الجانب ومتعدد المهارات، ويقوم بما هو مطلوب. إن أول كلمة في القصيدة هي كلمة

anêr «رجل»، ذكر النوع، مثلما أن كلمة

mênis «غضب» هي أول كلمة في «الإلياذة». إن القصة تدور حول مغامرات الذكر (وليس الأنثى)؛ إذ سوف يلتقي بنساء كثيرات في طريقه. إنه ليس بأحمق، وهو يخضع سلوكه لذكائه الأخلاقي. أما رجاله فكانوا حمقى؛ إذ خالفوا القانون وماتوا.

يشيع هذا النمط من الخير الجذري والشر الجذري، أي التمايزات الأخلاقية الواضحة والبسيطة في ذات الوقت، في تقاليد الحكاية الشعبية في كل أنحاء العالم وملحمة «الأوديسة» في بنيتها العميقة هي نوع من أنواع الحكاية الشعبية، وهو «عودة الزوج إلى الديار» (لا تعد «الإلياذة» حكاية شعبية). من خلال عقد مقارنة بين العديد من التنويعات من مختلف أنحاء العالم، يمكننا أن نصف سلسلة من الأفكار الأساسية (الموتيفات) للحكاية الشعبية والتي قد نتوقع أن نجدها في أي تنويعة من تنويعات عودة الزوج للديار؛ بالطبع ليس كلها دفعة واحدة وليس الجميع بنفس الترتيب (بعض منها ليس له وجود في «الأوديسة»). فنجد أولا مسابقة بين الخطاب، وعادة ما تتضمن رمي السهام (هذه الموتيفة مؤجلة إلى نهاية القصيدة). يفوز البطل بالمسابقة ويتزوج الفتاة (يقتل أوديسيوس الخطاب ويعاشر بينيلوبي)، ولكنه سرعان ما يغادر (يذهب أوديسيوس إلى طروادة). ويعين أمدا محددا عليها خلاله أن تنتظر عودته، قبل أن تتزوج مرة أخرى (الأوديسة، 18، 259-270). ويسجن أو يمنع بأي طريقة أخرى من العودة (يمضي أوديسيوس عشر سنوات في طروادة، وثلاث سنوات مرتحلا، وسبع سنوات محتجزا رغما عن إرادته على جزيرة الحورية كاليبسو). وقد ينزل إلى العالم السفلي (الكتاب 11). وترد أنباء عن موته (14، 89-90) وتجد زوجته نفسها مضطرة إلى الزواج مرة ثانية (15، 15-17، و19، 158-159). ويعلم البطل بنيتها (قارن: 11، 115-117) وفي رحلة مبهرة (13، 81-95)، يخلد خلالها إلى النوم (13، 79-80)، يعود إلى الديار متخفيا (يتنكر أوديسيوس في ثياب متسول). فيتعرف عليه أولا أحد الحيوانات (كلب أوديسيوس المسمى أرجوس، وتعني «السريع»). ويكشف عن هويته لأسرته عن طريق الرموز (ندبة أوديسيوس، وفراش زفافه). ويلغى الزفاف الجديد أو يقتل الأفاق (قتل الخطاب).

وفي حين تظهر فكرة مقتل الصديق وما يعقبه من ندم وتأمل، ذاك الذي تتناوله «الإلياذة»، جلية في ملحمة «جلجامش» القادمة من الشرق الأدنى، نجد «أوديسة» هوميروس تعرض أول مثال معروف للحكاية الشعبية التي تتناول الزوج العائد للديار. من المستحيل أن نجزم من أين استقى هذه الفكرة؛ فالشرق الأدنى القديم لا يقدم نموذجا جيدا، رغم أن الكثير من التفاصيل تستند إلى أنماط شرقية؛ مما لا شك فيه أن أنواعا أدبية بكاملها قد اختفت من سجل أدب الشرق الأدنى القديم، على سبيل المثال الحكايات الخيالية للحيوان، الموثقة بشكل واضح في تمثيلات فنية في بلاد ما بين النهرين ومصر ولكن ليس لها وجود على الإطلاق، مكتوبة على ألواح أو بردي. من المرجح أن هوميروس قد توارث قصته من مجموعة كبيرة من الحكايات الشعبية التي كانت تمثل المخزون الأساسي لدى المنشد الملحمي.

في «الإلياذة» يكيل زيوس الخير والشر من جرات أمام عرشه، أو أن ربة الأقدار مسئولة عن المعاناة. في «الأوديسة» يفصح زيوس عن فكرة مسئولية البشر الأخلاقية عندما يحكم مجلس للآلهة بإطلاق سراح أوديسيوس من جزيرة الحورية كاليبسو:

فلتر الآن، كم يسر البشر الفانين أن يلقوا باللوم على الآلهة. إنهم يقولون إن منا يأتي الشر، بيد أنه من أنفسهم، عبر حماقتهم العمياء، تصيبهم كروب فوق ما هو مقسوم لهم. (الأوديسة، 1، 32-34)

لنأخذ، على سبيل المثال، بيت أتريوس، الذي يمثل في «الأوديسة» نموذجا للسلوك السيئ. أنذرت الآلهة إيجيسثوس ألا يجامع كلتمنسترا، زوجة أجاممنون، بينما كان أجاممنون عند طروادة، ولكنه أقدم على الأمر رغم ذلك. وعندما عاد أجاممنون، قتله القرينان الفاسقان. وكان الثمن الذي دفعاه جليا؛ إذ قدم أوريستيس، ابن أجاممنون وكلتمنسترا، من خارج البلاد وقتل إيجيسثوس وكلتمنسترا. من جهة نجد أوديسيوس، وزوجته بينيلوبي، وابنه تليماك ؛ ومن الجهة الأخرى نجد أجاممنون، وزوجته كلتمنسترا، وابنه أوريستيس. انحرفت كلتمنسترا، وظلت بينيلوبي مخلصة . «فتش عن المرأة»، ولا تلم الآلهة على ما بك من كرب.

ناپیژندل شوی مخ