Human Rights in Islam by Jamal Al-Lail
حقوق الإنسان في الإسلام لجمل الليل
خپرندوی
*
د ایډیشن شمېره
*
ژانرونه
مقدمات
الاستفتاح
...
بسم الله الرحمن الرحيم
استفتاح:
خلق الله الإنسان وكرمه بالعقل واللسان، وجعله خليفة في الأرض، وأسجد له ملائكته الكرام، ولعن الله إبليس الذي عصى أمر ربه ورفض السجود لهذا المخلوق الجديد "الإنسان".
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] .
مما يدل على تكريم المولى سبحانه لهذا الآدمي وعنايته به. ولما كان هذا هو حال الإنسان بالنسبة لربنا، فقد أوجب عليه واجبات وتكاليف: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] .
وفي نفس الوقت أوجب له الخالق الرحيم حقوقا محفوظة تضمن للتكاليف أن تنفذ، وتضمن للخير أن يستقر في المجتمعات والنفوس، ولا يتحول البشر إلى وحوش متصارعة في غابة الدنيا.
وحقوق الإنسان نزلت بها الشرائع السماوية، وآخرها ومنتهاها كان مع الإسلام "الدين الخاتم"، ومنها ما كان من نتاج قرائح البشر الذين اجتهدوا بفضل من الله في هذا المجال، وأكثرها ذيوعا ميثاق حقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة، والذي تبنته الجمعية العامة لها في قرارها المرقم "٢١٧" في العاشر من ديسمبر سنة ١٩٤٨م، وتلاه العديد من المواثيق والبيانات من منظمات وهيئات أخرى.
1 / 3
تمهيد ومقدمة:
١- الحق ضد الباطل، والحق أيضا واحد الحقوق -هكذا ورد في مختار الصحاح للشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي- وجاء أيضا "حاقَّه" خاصمه، وادعى كل واحد منهما الحق، فإذا غلبه قيل: "حقَّه" والتحاقّ: الاختصام١، مما يدل على ما للكلمة من دلالات أو معانٍ لغوية.
٢- أما في مجال الاختصاص، فاستعمالاتها شتى:
استعملها رجال الفلسفة دالة على إحدى القيم العليا الثلاث:
الحق، والخير، والجمال.
واستعملها علماء الأخلاق فيما للإنسان على غيره، وهو ما يقابل الواجب؛ ولهذا قالوا: كل حق يقابله واجب.
واستعملها علماء القانون في معنى آخر، يشمل الحق العيني، والحق الشخصي، حتى إن دراسة القانون بكل فروعه لتسمى دراسة "الحقوق"٢.
واستعمل القرآن الكريم كلمة الحق فيما يقابل الباطل والضلال، قال تعالى:
﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس: ٣٢] .
وكأننا مع كل معنى من معاني الكلمة المعجمية أمام دلالة للفظة يصعب تجاهلها؛ فمثلا فيها الثبوت والصدق؛ لأنها واجبة ومنطقية.
_________
١ ص١٤٧.
٢ فمثلا يقول الدكتور سامي مدكور: الحق بمعناه العام هو الرخصة أو المكنة التي يقررها القانون لشخص معين بالنسبة لفعل معين، ويقابله الواجب "كتابه: نظرية الحق"، ص٣. ويقسم الحقوق إلى حقوق دولية وحقوق سياسية أو دستورية وحقوق عامة "وقد سميت في القرن الثامن عشر بالحقوق الطبيعية أو حقوق الإنسان" وحقوق مدنية.
1 / 4
وفي التنزيل الكريم: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [يس: ٧٠] .
وفي المعجم العربي الأساس الذي أصدرته المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم عن دار "لاروس": حق الأمر: صح، وحق عليه الأمر: وجبه "يحق على المظلوم أن يجاهد في وجه الظلم"١.
وأحق الله الحق: أظهره وأثبته: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال: ٨] .
فهل يوجد حقيقة بعد ذلك الحق؟
٤- أما عند الفقهاء، فالحق هو الحكم الثابت شرعا عند بعض المتأخرين. والأستاذ الشيخ علي الخفيف يعرفه بأنه المصلحة المستحقة شرعا. ويعرفه الأستاذ مصطفى الزرقاء بأنه اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا٢.
٥- ما مصدر الحق في الشرع الإسلامي؟
منشأ الحق في الشريعة الإسلامية: هو إرادة الشرع، فالحقوق في الإسلام منحة من الخالق الذي يعرف بقدرته وحكمته مصلحة العباد، ومن ثَمَّ كانت قواعد الحقوق الإنسانية ومبادئها في الإسلام تقوم على مراعاة مصلحة الغير وعدم الإضرار بمصلحة الجماعة، للإضافة إلى كونها في حيز الفرد نفسه، فليس الحق مطلقا وإنما هو مقيد بما يفيد المجتمع ويمنع الضرر عن الآخرين٣.
٦- وتنقسم الحقوق إلى ثلاثة أقسام: فالقسم الأول هو حقوق الله، وهي الحقوق التي تتعلق بواجبات العبادة أو الصالح العام للأمة، ولا سيما الحدود التي شرعها الله، أما القسم الثاني وهو ما يسمونه: حقوق العباد، والثالث وهو
_________
١ المعجم العربي الأساسي.
٢ من كتاب "الفقه الإسلامي وأدلته"، للدكتور وهبة الزحيلي.
٣ وفي مثل هذا المعنى، يكون كلام الدكتور محمد ضياء الدين الريس في "النظريات السياسية في الإسلام"، ص٣٠٦، مكتبة دار التراث، سنة ١٩٧٩م.
1 / 5
الحقوق المشتركة بين الله والعباد١.
٧- أما صاحب "كفاية الأخيار" فيقسم الحقوق إلى ضربين: "حق الله، وحق الآدمي"٢.
_________
١ المرجع السابق، ص٣٠٦.
٢ كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، للإمام تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الدمشقي الشافعي، الجزء الثاني، فصل: الحقوق ضربان. ويقول الشارح: المقصود من هذه الجملة بيان عدد الشهود وصفتهم في الذكورة والأنوثة، ص٢٥٨ طبعة "دار إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر".
1 / 6
تطور فكرة حقوق الإنسان:
١- الحق الإنساني في حياة أفضل هدف بشري، وظل هذا المسعى الإنساني نحو إحقاق الحقوق أملا يراود بني البشر، خصوصا كلما عصفت بهم المحن، وازدادت الرغبة في ذلك أيضا مع توسع المجتمع وارتقاء الاجتماع البشري، وصيرورته أكثر تعقيدا، فكانت الحقوق الشخصية تطمسها مطالب الجماعة، وتحدّ منها مصلحة القبيلة.
ثم جاءت المدن بنظامها البديع، وتشابك المعيشة بها، فحطمت بأسلوب الحياة فيها كثيرا من فردية الإنسان وتفرده.
وكلما اتسعت المدينة وامتدت ذراعها صرخ الإنسان ينادي بحضوره باحثا عن نفسه، خصوصا بعد أن ترافق هذا وتعقد الاقتصاد، وشاع استغلال الإنسان للإنسان.
٢- في الفكر الاجتماعي القديم لا يتعدى مفهوم الإنسان عند الفلاسفة اليونانيين دائرة معينة من البشر هم الأحرار والمقاتلون. ويخرج عن هذا المفهوم قطاعات واسعة من البشر تشمل العبيد والنساء والصناع.
نرى هذا عند أرسطو- مثلا- والذي كان يرى أن المرأة بالنسبة للرجل كالعبد لسيده، أو كنسبة العامل باليد للمفكر، أو البربري للإغريقي١.
أما أفلاطون فهو عندما يتحدث عن أفعال الإنسان يؤكد أن مراجعها ثلاثة: الشهوة والعاطفة والعقل، وهذه القوى الثلاث موجودة عند كل إنسان؛ فمن الناس من يكون شهوة متجسدة، ومنها تتكون العمال.
_________
١ قصة الفلسفة اليونانية، تصنيف أحمد أمين وزكي نجيب محمود، ص٢٧١.
1 / 7
ومن الناس من يضفي عليه جانب الشعور كالمحارب، ومنهم فريق ثالث قليل العدد يستمتع بالتفكير فقط وهم رجال الحكمة١.
٣- ولكن رسول الله ﷺ توَّج حياته -بعد بضعة قرون من حضارة اليونان- بخطبة ضمنها مبادئ راقية، ما زالت تعد هدفا للبشرية ترنو للوصول إليه.
يقول رسول الله ﷺ: "أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا ٢، في بلدكم ٣ هذا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد".
"أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى" ٤.
٤- ويتواصل التفكير الإسلامي في حقوق الإنسان بعد وفاة رسول الله ﷺ فالمرجعية القرآنية، وسنته الشريفة ظلتا ملهمتين للأجيال المسلمة التالية في هذا المجال. فوجدت صياغة الحقوق مع مطلع القرن الهجري الجديد "الجاري" من المجلس الإسلامي الدولي بيانا عالميا بإقرار حقوق للإنسان مستمد من القرآن والسنة٥.
ولقد تضمن البيان ثلاثة وعشرين حقا من الحقوق التي كفلها الإسلام، وهي: حق الحياة، والحرية والمساواة، والعدالة، والمحاكمة العادلة، والحماية من تعسف السلطة، والحماية من التعذيب، وحماية العِرْض والسمعة، واللجوء والأقليات، والمشاركة في الحياة العامة، وحرية التفكير والاعتقاد والتعبير، والحرية الدينية والدعوة والبلاغ، والحقوق الاقتصادية، وحماية الملكية، وحق
_________
١ المرجع السابق.
٢ كان ﷺ في موسم الحج.
٣ يقصد مكة.
٤ صحيح البخاري، ج٥، ويلاحظ اختفاء لغة التمييز بين البشر، والتي كانت ترتب الحقوق على أساسها.
٥ صدر البيان عن منظمة اليونسكو بباريس، بمساهمة نخبة من مفكري المسلمين.
1 / 8
ومن الناس من يضفي عليه جانب الشعور كالمحارب، ومنهم فريق ثالث قليل العدد يستمتع بالتفكير فقط وهم رجال الحكمة١.
٣- ولكن رسول الله ﷺ: توج حياته- بعد بضعة قرون من حضارة اليونان بخطبة ضمنها مباديء راقية، ما زالت تعد هدفا للبشرية ترنو للوصول إليه.
يقول رسول الله ﷺ: "أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا٢ في بلدكم هذا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد".
"أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى"٤.
٤- ويتواصل التفكير الإسلامي في حقوق الإنسان، بعد وفاة رسول الله ﷺ فالمرجعية القرآنية، وسنته الشريفة ظلتا ملهمتين للأجيال المسلمة التالية في هذا المجال. فوجدت صياغة للحقوق مع مطلع القرن الهجرية الجديد "الجاري" من المجلس الإسلامي الدولي بيانا عالميا بإقرار حقوق للإنسان مستمد من القرآن والسنة٥.
ولقد تضمن البيان ثلاثة وعشرين حقا من الحقوق التي كفل الإسلام وهي: حق الحياة، والحرية، والمساواة، والعدالة، والمحاكمة العادلة والحماية من تعسف السلطة، والحماية من التعذيب، وحماية العرض والسمعة، واللجوء والأقليات، والمشاركة في الحياة العامة، وحرية التفكير والتفكير والتعبير، والحرية الدينية والدعوة والبلاغ، والحقوق الاقتصادية وحماية الملكية، وحق
_________
١ المرجع السابق.
٢ كان ﷺ في موسم الحج.
٣ يقصد مكة.
٤ صحيح البخاري، ج٥ ويلاحظ اختفاء لغة التمييز بين البشر، والتي كانت ترتب الحقوق على أساسها.
٥- صدر البيان عن منظمة اليونسكو بباريس بمساهمة نخبة من مفكري المسلمين.
1 / 9
العامل وواجبه، وكفاية الفرد من مقومات الحياة، وبناء الأسرة، وحقوق الزوجة والتربية، وخصوصيات الفرد وحمايتها، وحرية الارتحال والإقامة١.
٥- وهكذا نجد الخطوط العريضة للبيان عن الحقوق الإنسانية كما يلي:
- دار الإسلام واحدة، وهي وطن كل مسلم.
- الناس جميعا سواسية أمام الشريعة.
- ليس لأحد أن يلزم مسلما بأن ينفذ أمرا مخالفا للشريعة.
- الأوضاع الدينية للأقليات يحكمها المبدأ القرآني: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ .
- لا يجوز انتزاع ملكية نشأت عن كسب حلال إلا للمصلحة العامة.
- لا يجبر الفتى، أو الفتاة على الزواج ممن لا يرغب فيها.
- للزوجة أن تطلب الطلاق في حدود الشرع.
- سرائر البشر إلى خالقهم وحده، وخصوصياتهم حمى.
٦- وفي قرن متأخر -أي منذ القرن السادس عشر- انتبهت أوروبا إلى البحث في القانون الدولي، الذي أصبح فيما بعد هو الإطار الذي ظهرت وتمت بداخله فكرة حقوق الإنسان، إلى أن أصبحت اتفاقية أوروبية تعرف باسم اتفاقية روما "صدرت سنة ١٩٥٠م، ثم انتهت إلى إصدار ما يعرف باسم مواثيق حقوق الإنسان سنة ١٩٦٨م".
٧- فـ"الماجنا كارتا" الذي رفعه الملك جان في بريطانيا عام ١٢١٥م لم يكن إلا نتيجة ما قام به الإقطاعيون من تذمر.
فكانت "الماجنا كارتا" كعهد أو ميثاق بين الملك والأمراء ينظم العلاقات
_________
١ ويقول الأستاذ سالم عزام، أمين عام المجلس في مقدمة الوثيقة: "حقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، وليست قرارا صادرا من سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي، لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل".
1 / 10
بينهم، ولكن جاءت موادّه متقدمة في صالح الأمراء بقدر أكبر، بينما لم تشتمل على ما يشير إلى حقوق عامة الشعب، رغم ما لُوحظ في وقت لاحق فيها من حقوق في التحقيق في القضاء، كحق التظلم من الحبس، والتحكم في فرض الضرائب.
٨- ثم يأتي بعد ذلك ميثاق "توم بين" "١٧٣٧-١٨٠٩م" الخاص بحقوق الإنسان، فيثير في عقول الناس الإحساس بهذه الفكرة العظيمة خصوصا حول عام ١٨٩١م.
ثم جاء إعلان حقوق الإنسان الذي ظهر إبان الثورة الفرنسية ١٧٨٩م ليكون من أهم منجزاتها، إذ كان ثمرة من ثمار الفلسفات الاجتماعية التي سادت القرن الثامن عشر، خصوصا من أفكار جان جاك روسو صاحب "العقد الاجتماعي" ومونتسكيو وديدرو. وقد تضمن هذا العهد الجديد النابع من باريس الحقوق الفطرية فيما يختص بحكم الشعب والحرية والإخاء والمساواة والملكية، كما شمل حقوق التصويت والانتخاب والتشريع، وتحكم الرأي العام ورقابته على فرض الضرائب، والتحقيق القضائي في الجرائم، وإعمال آلية العدالة.
وقد سعى لتضمين هذه الحقوق في الدستور؛ لتصبح أكثر إلزاما وعملية.
٩- ثم ينتقل التفكير في حقوق الإنسان إلى العالم الجديد، فتظهر الإصلاحات العشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد احتوت على معظم المبادئ التي تضمنتها الفلسفة الديمقراطية البريطانية.
وتوسع التفكير الإنساني في الحقوق تلك لتتبناه المنظمة الدولية، فتوافق سنة ١٩٤٨م في ديسمبر على قرار بمنع قتل الإنسان أو فعل ما من شأنه التأثير على حياته ووجوده البشري.
ويبقى من هذا الميثاق التاريخي "الإعلان العالمي" أهدافه التي تؤكد تساوي البشر رجالا ونساء في العزة والكرامة والأهمية والحقوق الإنسانية الأساسية.
وتؤكد المادة "٥٥" من هذا الإعلان على أن الأمم المتحدة سوف تزيد من حمايتها، واحترامها العالمي لحقوق الإنسان وحرياته.
1 / 11
ويتضح من هذا العرض السريع أن حقوق الإنسان في الغرب لا تاريخ لها، ولا وجود لها قبل قرنين أو ثلاثة، كما أنها بالرغم من كثرة ترديدها ليس لها قوة تنفيذية١.
وعلى سبيل المثال؛ ظلت الحقوق الاقتصادية للإنسان مجهولة لدى العالم الأوروبي، ولم يعرفها إلا حديثا، إذ إن المطالبة بها والاعتراف لم يبدأ إلا مع الحركات الاشتراكية الحديثة في أوروبا، منذ القرن التاسع عشر، حيث ارتبطت دائما حقوق الإنسان في أوروبا وغيرها بالحقوق السياسية والحريات العامة، ولم تظهر هذه منذ أربعة عقود عند صدور الإعلان العالمي الذي تضمن بعض المواد الخاصة بها.
أما الاعتراف بهذه الحقوق فلم يتم إلا سنة ١٩٦٦م عند صدور الميثاق الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأما قبل هذا فلم تكن هذه الحقوق معترفا بها إطلاقا، حتى في البيان الذي أصدرته الثورة الفرنسية سنة ١٧٨٩م، إذ لم يتضمن مع تقدمه مادة واحدة تتعلق بالحقوق الاقتصادية٢.
_________
١ الحكومة الإسلامية، أبو الأعلى المودودي، الدار السعودية.
٢ الثورة الفرنسية، حسن جلال، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، سنة ١٩٢٧م.
1 / 12
المبادئ التي انبنت عليها حقوق الإنسان:
أرسل الله رسله، وحملهم -سبحانه- رسالته من أجل مصلحة الإنسان؛ ذلك لأن رحمة الخالق -جل وعلا- شاءت ألا تترك هذا المخلوق سادرا في غيه، فأبت عليه رأفة المولى إلا أن يكون إنسانا حقيقيا راقيا ليس كسائر المخلوقات الدنيا، بل ليرتقي في الخلق والقيم.
١- الكرامة الإنسانية: وهذه هي أولى المبادئ التي ينبني عليها حق الإنسان في الإسلام، حقه في الحياة الراقية البعيدة عن الحيوانية والتدني في الطبع والسلوك. فتغليظ العقوبة في الزنا -خاصة للمحصن- ليس قسوة من الرحمن الرحيم، بل زجرا للمرء من اقتراف تلك الأفعال المشينة التي تهبط بآدميته. ومن هنا كان السعي إلى تقنين هذه الممارسة "الجنس" بالصور المشروعة المنظمة فقط، فيقول تعالى: ﴿وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: ٦٨] .
ويقول عن المؤمنات: ﴿يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ﴾ [الممتحنة: ١٢] .
ويحذر: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٣٢] .
٢- حق الإنسان في التوبة، والتطهر من الدنس: هذا الحق الذي يُسْلَبُه الإنسان في الأنظمة التشريعية الأخرى. إذ جاء مجرم إلى رسول الله ﷺ يطلب إنزال عقوبة الرجم فيه، فصرف وجهه ﷺ عنه لا يريد السماع منه؛ لأنه عمل جرى في السر ولم يخرق به النظام العام، ولا اعتدى فيه على الآداب العامة، وإن مثل ذلك متروك إلى المجرم نفسه ليستغفر الله فيما بينه وبين ربه. ولكن المجرم عاد مرة ثانية يجدد الاعتراف بالجريمة ويطلب إنزال العقوبة به؛ لتكون التوبة أدل
1 / 13
على الإخلاص فيها إلى الله وعلى عدم التمكن من العودة إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة، فصرف رسول الله ﷺ وجهه عنه مرة ثانية، ثم عاد مرة ثالثة فصرف وجهه مرة ثالثة، ثم عاد مرة رابعة فسأله: "أبك جنون؟ أو لعلك قبلت أو غمزت أو لمست؟ " قال: لا. وهكذا كان رسول الله ﷺ يلقنه التراجع عن الاعتراف بالانصراف عن سماعه أولا، وبالتشكيك في الفعل ثانيا، ولكنه أصرَّ على طلب العقوبة فلم يجد عندئذ بدا من الأمر بإيقاعها فيه بناء على إصراره على الاعتراف. ولقد ندم بعد بدء تلقي العقوبة فهرب، فتبعه المأمورون بإنفاذ العقوبة حتى قتلوه، وقال لهم رسول الله ﷺ قولته المشهورة: "هلا تركتموه فيتوب أو يتوب الله عليه" ١.
٣- فالإنسان في نظر القرآن: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤] و﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠] . من أجل ذلك حرم الإسلام الانتحار واعتبره جريمة عظمى في حق الإنسان، بدليل خطورة العقاب الأخروي، وباعتبار أن روحه ليست ملكا له؛ لأنها ليست من صنعه، وإنما هي ملك لبارئها وخالقها، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي: "ونفس المكلف داخلة تحت هذا الحق -أي: حق الله تعالى- إذ لا يجوز له أن يعتدي على نفسه بالإتلاف"٢.
٤- وهذا يفضي إلى مبدأ آخر من المبادئ التي يرتكز عليها حق الإنسان في الإسلام، وهو مبدأ اتحاد عنصري الحق والواجب وتلازمهما، فالاعتقاد بثبوت هذه الحقوق الأساسية يكون أولا بالشرع والتكليف.
٥- فالحق في الحياة: وهو حفظ النفس، من الحقوق الأساسية المقررة في الشرع الإسلامي، وتعني عصمة الشخصية الإنسانية في عناصرها المادية، وهي سلامة الجسم بجميع أعضائه من الإتلاف، والمعنوية أي: الكرامة والأفكار الذهنية والمعتقدات وغيرها. وقد اعتبر الإسلام حياة الإنسان المقصد الأول الذي ترجع إليه سائر المقاصد الأساسية بعد المحافظة على الدين؛ لتوقفها جميعا
_________
١ رواه البخاري "باب الحدود"، ص٢٨، والإمام أحمد.
٢ كتاب الموافقات.
1 / 14
على الإنسان وحفظ نفسه في أعلى مراتب التكليف. واعتبر بالتالي إزهاق النفس عمدا وعدوانا أعظم جريمة في الكون، لا بالنسبة للمعتدى عليه أو ذويه فحسب، بل بالنسبة للإنسانية كلها، وقرر القرآن أن جريمة القتل دون حق هي بمثابة قتل الناس جميعا، وإحياءها في حكم إحياء الناس جميعا.
يقول تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] .
ومن هنا كان حق الحياة حقا وواجبا في آن واحد؛ لارتباطه بالتكليف والأمانة التي حملها الإنسان لعمارة الدنيا واستخلاف الله في الأرض، وتطبيقا لسننه في الكون.
حرم الإسلام على الإنسان الاعتداء على نفسه أو إزهاقها أو السماح لغيره بشيء من ذلك، اللهم إلا إذا كان ذلك لتحقيق قصد شرعي؛ كجهاد العدو، أو المحافظة على حياة، كبتر عضو مريض يتوقع منه السريان لبقية البدن، والتعرض لخطر محقق.
٧- يقول تعالى في ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٩] .
﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الإسراء: ٣٣] .
﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] .
وروى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ -أي: يطعن بها نفسه- بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
٨- ومن المبادئ التي يرتكز عليها التشريع الإسلامي عموما: صلاح
1 / 15
المجتمع؛ فمعظم التهم التي يشدد الإسلام في العقوبة عليها هي التهم التي تؤثر في المجتمع تأثيرا سلبيا بل هَدَّاما، كالزنا الذي يؤدي إلى انهيار الأسرة واختلاط الأنساب، وكالسرقة والاعتداء على الغير مما أشار إليه الشارع الإسلامي.
فحقوق الإنسان كما وصلت إليه وثيقة حقوق الإنسان الصادرة عن الجمعية العامة للأمم تحفظ الحقوق الفردية وتنص عليها، بينما الإسلام يوازن بين الحقوق الفردية وحق المجتمع الذي -هو أيضا مجموع الأفراد- وجب التنويه إلى حقوقه أيضا صيانة للصالح العام.
٩- وقد ثبت بالاستقراء والنصوص أن الشريعة الإسلامية قد اشتملت أحكامها على مصالح الناس، فقد قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل: ٧٧] .
والمصالح المعتبرة هي المصالح الحقيقية، وهي ترجع إلى أمور خمسة: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال؛ لأن هذه الأمور الخمسة بها قوام الدنيا التي يعيش فيها الإنسان١.
١٠- والحرية عنصر مهم من عناصر الحياة الإنسانية المحترمة في الإسلام. وهل التوحيد إلا تحرير للإنسان؟
ولذلك كانت حرية الاعتقاد حقا من حقوق الإنسان في الإسلام بادر المسلمون بتطبيقه؛ إعمالا لتعاليم دينهم كمبدأ حيوي.
يقول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ﴾ [البقرة: ٢٥٦] .
ويقول تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٩٩] .
ويقول: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦] .
والعدل اسم من أسماء الله الحسنى، وكما يقولون: "العدل أساس الملك"؛
_________
١ أصول الفقه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، ص٢٦٥.
1 / 16
لذا كان مبدأ أساسيا ترتكز عليه الشريعة السمحة في إقرار حقوق الإنسان الأساسية.
يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: ٥٨] .
ويقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [النحل: ٩٠] .
1 / 17
حقوق الإنسان الثقافية:
١- لا بد لنا إذا أردنا فهم أبعاد الحقوق الثقافية للإنسان في الإسلام من أن نلفت النظر إلى أن نظرة الإسلام إلى "الحقوق الثقافية للإنسان" إنما هي نظرة جزئية من أصل "نظرة كلية" هي نظرة الإسلام إلى "الله والكون والإنسان".
٢- ونحن لسنا في مقام شرح النظرة الكلية للإسلام، ولكن ارتباط "النظرة الجزئية" بتلك "النظرة الكلية" حول الله والكون والإنسان يوجب علينا الإشارة إليها بالقدر الذي لا بد منه، وذلك من أجل تحديد "خصائص الحقوق الثقافية في الإسلام"، والكشف عن أبعادها في حياة الإنسان.
٣- فالإنسان في إطار هذه النظرة الكلية واجب عليه باسم الدين النظر في السموات والأرض وفي نفسه، وذلك من أجل هدف سامٍ مفروض عليه، ألا وهو الإيمان بالله إيمانا علميا مؤسسا على اليقين المنطقي.
ويلي الإيمان بهذه الحقيقة الأولية الإيمان بعظمة هذا الخلق وبديع صنعه، فالاعتراف بهذا إقرار بحكمة إيجاد هذا الكون ونظامه، ودلالته على خالق قادر عليم حكيم، مستحق للعبادة وحده.
ومن ثم تأتي معرفة ثالثة، هي أن الإنسان جزء من هذا الكون الواسع، ولكنه يشغل مكانا متقدما بفضل ما أنعم الله به عليه من عقل، وتكريم، وتسخير ما في السموات والأرض له، ولم يعد مسخرا لها. ومن هنا يأتي الأمر الإلهي للإنسان بالتعمير، والنهي عن الإفساد، والذي يترافق مع السماح بالتمتع بالطيبات، ولكن بنظام يحافظ على هيبة الإنسان وتعلقه بالله، ويحفظ الكرامة والعدل والمساواة والسلام.
1 / 18
٤- وبذلك نرى أن النظرة الكلية للإسلام بصدد الكون١ تفرض على الإنسان العلم، وتجعله حتما موجبا مثابا عليه المرء؛ لأنه إذن مرتبط بحقيقة عليا وحكمة سماوية.
٥- هذا المفهوم الإسلامي للعلم اعتبره فريضة، وعده أساسا لكرامة الإنسان، وذلك أن القرآن الكريم رفع شأن العلم بقوله تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩]، وقوله أيضا: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] .
٦- وعلى أساس من هذه النظرة الكلية لله والكون والإنسان تكون الحقوق الثقافية؛ فالإسلام يوسع من آفاق العيش ويجعله متصلا بحكمة علوية، ويجرده من المادية البحتة تنزيها للإنسان. ولذلك نجد رسولنا -صلوات الله وسلامه عليه- يقول: "العالم والمتعلم شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس" أي: لا خير فيمن عداهما.
٧- ولما كان العرب في معظمهم عند ظهور الإسلام أميين لا يقرءون ولا يكتبون، بدأ الإسلام بمعالجة مشكلة الأمية وفرض العلم على كل مسلم ومسلمة، وقال النبي ﷺ: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" ٢، ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: ١٠١]، من أجل تفتح إنساني واعٍ على الكون وحقائقه، والوجود وأبعاده.
٨- ولذلك لما وقع في أيدي المسلمين بعض الأسرى القرشيين الوثنيين إبان موقعة بدر، جعل رسول الله ﷺ فدية الكثير منهم تعليم الأميين من المسلمين، وجعل شرط إطلاق أحدهم من الأسر تعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة، مع ملاحظة حاجة المسلمين للمال في هذا الوقت.
_________
١ خصائص التصور الإسلامي ومقوماته "فكرة الإسلام عن الله والإنسان والكون والحياة"، سيد قطب، ١٣٨٧هـ-١٩٦٧م.
٢ الوارد في الحديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" وقد أضيفت كلمة "مسلمة" في بعض المراجع عملا بالمعنى.
1 / 19
٩- ويمضي رسول الله ﷺ يتوعد تارة، ويعد تارة أخرى، ويقول: "العالم والمتعلم شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس" ١. ويقول مفضلا الزيادة في العلم على الزيادة في العبادة، ويؤكد أن: "ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى، وما استقام دينه حتى يستقيم عقله".
أو في رواية أخرى: "حتى يستقيم عمله". وتشجيعا للاجتهاد والبحث العلمي يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" ٢.
وفي هذا إقرار بالحرية العلمية في أوسع نطاق. ثم أحاط هذه الحرية بسياج يصونها بالقول النبوي الشريف: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت" ٣.
١٠- هذا من جانب الإسلام. أما من ناحية المواثيق الدولية الصادرة لحماية الحقوق الإنسانية، فنجد:
أ- "الميثاق الدولي لحقوق الإنسان" الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة في ١٠ ديسمبر ١٩٤٨م.
ب- "الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" الصادرة عن حكومات المجموعة الأوروبية بروما بتاريخ ٤ نوفمبر ١٩٩٠م، ثم البروتوكول رقم "١" المضاف إلى هذه الاتفاقية والموقع في باريس بتاريخ ٣ مارس ١٩٥٣م.
جـ- "تصريح عن حقوق الطفل" الصادر في هيئة الأمم المتحدة، الجمعية العامة في ١٠ نوفمبر ١٩٥٩.
_________
١ البخاري "٣٠".
٢ رواه البخاري، فتح الباري: ١٣/ ٣١٨، دار المعرفة، لبنان.
٣ رواه البخاري، فتح الباري.
1 / 20
د- "اتفاقية حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية" الصادرة في ١٦ ديسمبر ١٩٦٦م.
١١- وتنص هذه الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق الثقافية للإنسان على ما يلي:
أولا: ما جاء في الفقرة الأولى من المادة "٢٦" من الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، ونصها: "كل شخص له حق في التربية".
ثانيا: ما جاء في الفقرة الثالثة من هذه المادة، ونصها: "إن الآباء لهم الحق في المقام الأول في اختيار نوع التربية لأولادهم".
ثالثا: ما جاء في الفقرة الثانية من هذه المادة أيضا، ونصها: "إن التربية يجب أن تهدف إلى التفتح الكامل لشخصية الإنسان، وإلى دعم الاحترام لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية".
رابعا: ما جاء في الفقرة الأولى من المادة "١٣" من الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ونصها: "إن الدول المشتركة في هذه الاتفاقية تعترف بحق كل إنسان في التربية، وتتفق على أن التربية يجب أن تهدف إلى التفتح الكامل لشخصية الإنسان والشعور بكرامته، وإلى دعم احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، كما تتفق أيضا على أن التربية يجب أن تجعل كل إنسان أهلا للقيام بدور نافع في مجتمع حر".
خامسا: ما جاء في الفقرة "٣" من المادة السابقة، ونصها: "إن الحكومات المشتركة في هذه الاتفاقية تتعهد بأن تحترم حرية الآباء والأوصياء الشرعيين في الاختيار لأولادهم المدارس الحكومية، وفي ضمان التربية الدينية والأدبية لأولادهم، وفقا لعقائدهم الخاصة".
سادسا: ما جاء في الفقرة "٢" من البروتوكول رقم "١" المضاف إلى اتفاقية حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الصادرة عن الجماعة الأوروبية، ونصها: "لا يجوز أن يرفض حق أحد في التعليم، وإن الدولة ستحترم في ميدان
1 / 21
التربية والتعليم حق الآباء في ضمان التربية والتعليم، وفقا لعقائدهم الدينية والثقافية".
سابعا وأخيرا: ما جاء في الفقرة الثانية من المبدأ السابع من "تصريح حقوق الطفل"، ونصها: "إن المصلحة العليا للطفل هي المرشد لأولئك الذين يحملون مسئولية تربيته وتوجيهه، وخصوصا أهله".
ومن الملاحظ أن هذه البنود تحوي "حقوقا خاصة" ليست "فروضا عامة" كما أن هذه الحقوق الخاصة معبر عنها بصيغة سلبية، كمثل قوله: "لا يجوز....".
وبالتالي يحق لأي إنسان في ظل هذه المواثيق أن يتنازل عن حقه "الخاص" -لأنه خاص- وتنازله هذا لا يشكل جرما؛ لأنه لا يمس إلا شخصه.
وفي هذا إضعاف لهذا الحق الذي هو ضرورة حياتية مهمة.
وهذه النزعة الشخصية لا تلتفت إلى ما تتميز به علوم الحياة من شمول، وما يتميز به العلم -خصوصا في الحاضر- من اجتماعية، كما أن هذه النظرة "الفردية" لا توصل العلم بمتعلقاته العلوية، وتجرده من حكمته، وتحرمه من امتداده التعبدي.
وهذا الامتداد الروحي بعد مهم في النزوع العلمي؛ إذ هو الكفيل بإنقاذه من أمراض "المجتمعات العلمية" كالأنانية والمادية والسيطرة. هذه العلل التي قد تحول العلم من أداة لخدمة الإنسان وعمارة الكون إلى وسيلة من وسائل الدمار، وسببا لشقاء الإنسان وتعاسته وضياعه.
وقد رأينا الأمثلة على ذلك كثيرة عبر التاريخ، إذ شاهدنا كيف حول حاكم مستبد التكنولوجيا العسكرية التي كدسها في ترساناته إلى وسيلة إرهاب للآخرين، فجرّ الوبال على الآخرين وعلى العالم وعلى شعبه.
وهذا كان أثرا ومثالا على النهوض العلمي المجرد من روحه الإلهية، والتي ينبغي أن تكون منطلقا لكل تحديث وتقدم، ولكل تفكير في حقوق الإنسان، فما بالك بمن افتقد الاثنين: الحكمة السماوية، والحقوق الإنسانية:
1 / 22