حلل سندسي
الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)
ژانرونه
وتفرقوا شيعا فكل مدينة
فيها أمير المؤمنين ومنبر
وهم في أثناء هذا يتسابقون في ميدان الاستعانة، بعضهم على بعض، بالطاغية الذي يساومهم على المناصرة بتسليم الحصون، وتعطيل الثغور؛ والانهزام بلا سيف، والرضى بكل حيف، ويواطئون على حوزة الإسلام علنا
يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا
والعدو كل يوم يتقدم، وحوض الإسلام كل يوم يتهدم؛ والخلاصة: مازال يطغى وهم يحسرون، ويمد وهم يجزرون، ويطول وهم يقصرون إلى أن عادوا إلى علم ناكس، وصوت خافت، وباتوا - كما يقال - طوع كل شامت؛ وتوقع كل عاقل الفاقرة الكبرى، وأن من هو باق بسيف البحر ليس بثابت؛ وما كانت إلا شفافة في إناء الأندلس أراد العدو أن يستصفي سؤرها، وبقية فيما وراء البحر صمم أن يقتلع جذورها، وجاءهم ذلك حينما لم يبق مرابطون ولا موحدون، ولا أبطال يجاهدون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، بل حينما كل ملك بالعدوة مشغول بسد فتوقه، وحفظ حقوقه؛ سعيد بأن يثبت في مكانه، راض بأن يخلص من عادية جيرانه، بل من غائلة إخوانه. فكيف يستطيع أن يركب البحر لينازل الطواغيت، ويجمع من الإسلام ذلك الشمل الشتيت؟ فأراد الله أن يتركهم وشأنهم، وهو تعالى المحيي المميت. واستأسد بذلك العدو، فلم يزل يواثبهم ويكافحهم، ويغاديهم القتال ويراوحهم، حتى أجهضهم عن أماكنهم، وجفلهم عن مساكنهم، وأركبهم طبقا عن طبق، واستأصلهم بالقتل والأسر كيفما اتفق؛ وردوا في الحافرة، وصاروا رهن هوى الأمة الظافرة. ومن اختار منهم الدجن انتقلوا تدريجيا إلى دين الطاغية ولسانه، فخسروا الدنيا والآخرة، وصاروا عبرة في العالمين
وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين .
نعم؛ حواضر كالبحار الزاخرة، كانت تموج بالبشر؛ وحصون كالجبال الشامخة، تحصى بالألوف، وتكبو فيها جياد الفكر، وجيوش كانت حصى الدهناء، ورمال البطحاء، ومساجد كانت في الجمع المشهورة تغص بألوف الألوف من المصلين، ومدارس كانت مكتظة بالألوف من القراء والطالبين، وما شئت من إسلام وإيمان، وحديث وفرقان، وأذان يملأ الآذان، وما أردت من نحو ولغة وطب، وحكمة ومعان وبيان، بلغة عربية عربآء، يحرسها علماء كنجوم السماء؛
1
وما أردت من عيش خضل وزمن نضر، وحزرات أنفس، وضحكات قلوب. كل هذا عاد كهشيم المحتظر، كأن لم يغن بالأمس، ولم يبق منه إلا آثار صوامت، وأخبار تناقلتها الكتب، كأنه لم يعمر الأندلس من هذه الأمة عامر، ولا سمر فيها سامر. قال تعالى:
وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم .
ناپیژندل شوی مخ