حلل سندسي
الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)
ژانرونه
فخذ في المقام وخل السفر
فكل مكان بها جنة
وكل طريق إليها سفر
واعلم أنه لو يكن للأندلس من الفضل سوى كونها ملاعب الجياد للجهاد، لكان كافيا، ويرحم الله لسان الدين بن الخطيب، حيث كتب على لسان سلطانه إلى بعض العلماء العاملين ما فيه إشارة إلى بعض ذلك ما نصه: من أمير المسلمين فلان إلى الشيخ كذا ابن الشيخ كذا وصل الله له سعادة تجذبه، وعناية إليه تقربه وقبولا منه يدعوه إلى خير ما عند الله ويندبه، سلام كريم عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله المرشد المثيب، السميع المجيب، معود اللطف الخفي، والصنع العجيب المتكفل بإنجاز وعد النصر العزيز والفتح القريب، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله ذي القدر الرفيع والعز المنيع والجناب الرحيب، الذي به نرجو ظهور عبدة الله على عبدة الصليب، ونستظهر منه على العدو بالحبيب، ونعده عدتنا لليوم العصيب، والرضا عن آله وصحبه الذين فازوا بمشاهدته بأوفى النصيب، ورموا إلى هدف مرضاته بالسهم المصيب، فإنا كتبناه إليكم، كتب الله تعالى لكم عملا صالحا يختم الجهاد صحائف بره، وتتمخض لأن تكون كلمة الله هي العليا جوامع أمره، وجعلكم ممن تهنى في الأرض التي فتح فيها أبواب الجنة مدة عمره، من حمراء غرناطة، حرسها الله تعالى، ولطف الله هامي السحاب، وصنعه رائق الجناب، والله يصل لنا ولكم ما عوده من صلة لطفه، عند انبتات الأسباب، وإلى هذا أيها المولى الذي هو بركة المغرب المشار إليه بالبنان، وواحده في رفعة الشأن المؤثر ما عند الله على الزخرف الفتان، المتفلل من المتاع الفان، المستشرف إلى مقام العرفان، من درج الإسلام والإيمان والإحسان، فإننا لما نؤثره من بركم الذي نعده من الأمر الأكيد ونضمره من ودكم الذي نحله محل الكنز العتيد، ونلتمسه من دعائمكم التماس العدة والعديد، لا نزال نسأل عن أحوالكم التي ترقت في أطوار السعادة، ووصلت جناب الحق بهجر العادة، وألقت إلى يد التسليم لله والتوكل عليه بالمقادة، فنسر بما هيأ الله تعالى لكم من القبول وبلغكم من المأمول، وألهمكم من الكلف بالقرب إليه والوصول، والفوز بما لديه والحصول، وعندما رد الله تعالى علينا الرد الجميل، وأنالنا فضله الجزيل، وكان لعثارنا المقيل، خاطبناكم بذلك لمكانكم من ودادنا، ومحلكم من حسن اعتقادنا، ووجهنا إلى وجهة دعائكم وجه اعتدادنا، والله ينفعنا بجميل الظن في دينكم المتين، وفضلكم المبين، ويجمع الشمل بكم في الجهاد عن الدين، وتعرفنا الآن بمن له بأنبائكم اعتناء، وعلى جلالكم حمد وثناء، ولجناب ودكم اعتزاء وانتماء، بتجاول عزمكم بين حج مبرور ترغبون من أجره في ازدياد، وتجدون العهد منه بأليف اعتياد وبين رباط في سبيل الله وجهاد، وتوثير مهاد، بين ربا أثيرة عند الله ووهاد، يحشر يوم القيامة شهداؤها مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ، فرحين بما آتاهم الله من فضله، والله أصدق القائلين الصادقين، حيث لا غارة لعدو الإسلام تتقى، إلا لابتغاء ما لدى الله يرتقي، حيث رحمة الله قد فتحت أبوابها، وحور الجنان قد زينت أترابها، دار العرب الذين قرعوا باب الفتح، وفازوا بجزيل المنح، وخلدوا الآثار، وأرغموا الكفار، وأقالوا العثار، وأخذوا الثار، وأمنوا من لفح جهنم، بما علا على وجوههم من ذلك الغبار، فكتبنا إليكم هذا نقوى بصيرتكم، على جهة الجهاد من العزمين، ونهب بكم إلى إحدى الحسنيين، والصبح غير خاف على ذي عينين والفضل ظاهر لإحدى المنزلتين، فإنكم إن حججتم أعدتم فرضا أديتموه، وفضلا أرتديتموه، فائدته عليكم مقصورة، وقضيته فيكم محصورة. وإذا أقمتم الجهاد، جلبتم إلى حسناتكم عملا غريبا، واستأنفتم سعيا من الله قريبا، وتعدت المنفعة إلى ألوف من النفوس، المستشعرة لبأس البوس، ولو كان الجهاد بحيث يخفى عليكم فضله لأطنبنا، وأعنة الاستدلال أرسلنا. هذا لو قدمتم على هذا الوطن، وفضلكم غفل من الاشتهار، ومن به لا يوجب لكم ترفيع المقدار، فكيف وفضلكم أشهر من محيا النهار، ولقاؤكم أشهى الآمال وآثر الأوطار؟! فإن قوي عزمكم، والله يقويه، ويعيننا من بركم على ما ننويه، فالبلاد بلادكم، وما فيها طريقكم وتلادكم وكهولها إخوانكم، وأحداثها أولادكم، ونرجو أن تجدوا لذكركم الله في رباها حلاوة زائدة، ولا تعدموا من روح الله فائدة، وتتكيف نفسكم فيها بكيفيات تقصر عنها خلوات السلوك إلى ملك الملوك، حتى تغتبطوا بفضل الله الذي يوليكم، وتروا أثر رحمته فيكم، وتخلفوا فخر هذا الانقطاع إلى الله في قبيلكم وبنيكم، وتختموا العمل الطيب بالجهاد الذي يعليكم، ومن الله تعالى يدنيكم، فنبيكم العربي، صلوات الله عليه وسلامه، نبي الرحمة والملاحم، ومعمل الصوارم، وبجهاد الفرنج ختم عمل جهاده، والأعمال بالخواتم، هذا على بعد بلادهم من بلاده، وأنتم أحق الناس باقتفاء جهاده، والاستباق إلى آماده.
هذا ما عندنا حثثناكم عليه، وندبناكم إليه، وأنتم في إيثار هذا الجوار، ومقارضة ما عندنا بقدومكم على بلادنا من الاستبشار، بحسب ما يخلق عنكم من بيده مقادة الاختيار، وتصريف الليل والنهار ، وتقليب القلوب وإجالة الأفكار، وإذ تعارضت الحظوظ فما عند الله خير للأبرار، والدار الآخرة دار القرار، وخير الأعمال عمل أوصل إلى الجنة وباعد من النار، ولتعلموا أن نفوس أهل الكشف والاطلاع، بهذه الأرجاء والأصقاع، قد اتفقت أخبارها، واتحدت أسرارها، على البشارة بفتح قرب أوانه، وأظل زمانه. فنرجو الله أن تكونوا ممن يحضر مدعاه، ويكرم فيه مسعاه، ويسلف فيه العمل الذي يشكره الله ويرعاه، والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته. انتهى.
ولما دخل الأندلس أمير المسلمين علي ابن أمير المسلمين يوسف بن ناشفين اللمتوني، ملك المغرب والأندلس، وأمعن النظر فيها، وتأمل وصفها وحالها، قال: إنها تشبه عقابا مخالبه طليطلة، وصدره قلعة رباح، ورأسه جيان، ومنقاره غرناطة وجناحه الأيمن باسط إلى المغرب، وجناحه الأيسر باسط إلى المشرق ... في خبر طويل لم يحضرني الآن، إذ تركته مع كتبي بالمغرب، جمعني الله بها على أحسن الأحوال.
ومع كون أهل الأندلس سباق حلبة الجهاد، مهطعين إلى داعيه من الجبال والوهاد، فكان لهم في الترف والنعيم والمجون، ومداراة الشعراء، خوف الهجاء، محل وثير المهاد. وسيأتي في الباب السابع من هذا القسم من ذلك وغيره ما يشفي ويكفي، ولكن سنح لي أن أذكر هنا حكاية أبي بكر المخزومي الهجاء المشهور، الذي قال فيه لسان الدين بن الخطيب في الإحاطة: إنه كان أعمى شديد الشر، معروفا بالهجاء، مسلطا على الأعراض، سريع الجواب، ذكي الذهن، فطنا للمعارض سابقا في ميدان الهجاء، فإذا مدح ضعف شعره.
والحكاية هي ما حكاه أبو الحسن بن سعيد في الطالع السعيد إذ قال، حكاية عن أبيه فيما أظن: قدم المذكور، يعني المخزومي، على غرناطة أيام ولاية أبي بكر ابن سعيد، ونزل قريبا مني، وكنت أسمع به: نار صاعقة يرسلها الله على من يشاء من عباده، ثم رأيت أن أبدأه بالتأنيس والإحسان، فاستدعيته بهذه الأبيات:
يا ثانيا للمعرى
في حسن نظم ونثر
ناپیژندل شوی مخ