لا بأْسَ بالقَوْمِ مِنْ طُولٍ وَمِنْ قِصَرٍ ... جِسْمُ الْبِغَالِ وأَحْلامُ العصافير
ذَرُوا التخاجؤ وامشوا مشْيَةً سُجحًا ... إنَّ الرِّجَالَ ذَوٌو عَصْبٍ وتذكير
لا ينفع الطُّولُ من نَوْك القلوبِ وَلاَ ... يَهْدِي الإلَهُ سَبيلَ المعشَرِ البورِ
إنَّي سأقصر عرضي عن سَرَاتِكُمُ ... إنَّ النجاشيّ لَشَيْئٌ غَيْرُ مذكورِ
ألفَى أبَاه، وألْفَى جدَّه حُبِسَا ... بِمعزِلٍ عن مسَاعِي المجْد والخِيرِ
ثم قال: اكتبوها صكوكًا، وألقوها على غلمان الكتابة!.
ففعلوا، واتصل ببني عبد المدان الخبر، فأخذوا النجاشي، وأوثقوه وأتوا به حسان، وقالوا: هذا صاحبنا، وقد جئناك به، فحكمنا فيه يا أبا الوليد!.
فقال حسان: نادوا في الناس، فانجفل الناس إلى أطم حسان، ومعهم السلاح، ووضع لحسان منبر فقعد عليه، وبيده مخصرة، وقال: أين صاحبي؟ فجئ بالنجاشي، فأقعد بين يديه!.
فقال له عبد الله بن عبد المدان: هذا هو، فاحكم فيه برأيك، واكفف عنا غرب لسانك، فقد كنا نفخر على الناس بعظم أجسامنا، وبطولنا، فأفسدت ذلك علينا، فقال حسان: كلا!!، ألست القائل فيكم:
وقد كنا نقول إذا رأيْنا ... لذي جِسْم يُعَدُّ وذي بَيانِ
كأنَّكَ أيّها المعْطَى بَيَانًا ... وجِسْمًا مِنْ بَنِي عَبْد المدَانِ؟!
ثم نظر إلى النجاشي ساعةً، ثم قال لابنه: أين الدراهم التي بقيت من صلة معاوية؟ فأتى بها إليه، وكانت مائة دينار، ثم قال: جيئوني ببغلة ابني عبد الرحمن، فجاءوا بها!.
فقال: حلوا عنه وثاقه، فحلوه!.
فقال حسان: خذ هذه الدراهم فأنفقها، وهذه البغلة فاركبها!.
فشكرته الجماعة على ذلك!!.
والجوف: جمع أجوف، وهو العظيم الجوف، والجماخير: جمع جمخور، وهو العظيم الجسم الخوار.
والتخاجؤ: مشي فيه تبختر، والمشبة السجج: السهلة.
والعصب: شدة الخلق، يقال: رجل معصوب، شديد الخلق.
والبور: جمع بائر، وهو الهالك.
والمعزل: المكان المعتزل عن المنازل.
والمساعي ما يسعى إليه الإنسان من خيرٍ وشر.
والمجد الشرف الكثير، والخير: الكرم.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
يا حارِ لاَ أٌرْمَينْ منكم بداهية ... لمْ يلْقَها سُوقَةٌ قَبْلِي ولا مَلِكُ
هذا البيت: من مشهور شعر زهير بن أبي سلمى، يخاطب الحارث ابن ورقاء الصيداوي الأسدي، وكان أغار على بني عبد الله بن غطفان فغنم، وأخد إبل زهير وراعيه: يسارا.
فطالبهم بذلك، ليردوا عليه ما أخذوه.
والسوقة من الناس: من دون الملك.
وانشد أبو القاسم، في هذا الباب:
أَعائِشُ ما لأَهْلِكِ لاَ أراهم ... يُضِيعُونَ الهجانَ مع الْمَضِيعِ
هذا البيت: للشماخ، واسمه معقل بن ضرار، وقد تقدم ذكره.
وبعده:
وكيف يضيَّعُ صاحبُ مُدْفآتٍ ... على أَثْياجهنَّ مِنَ الصَّقِيع
هجان الإبل: كرائمها، والمدفآت: الكثيرات الوبر، والأثباج: الأوساط، واحدها ثبج، والصقيع: الثلج.
أراد: أن على أوساطهن وبرًا كثيرا يقيها البرد، قد أفئت به، أراد أن عائشة قالت له: مالك لا تزورنا، وتتشاغل برعي إبلك والتغرب بها؟ فقال لها: إن كان تضييع المال من الصواب، فما لأهلك لا يفعلون ذلك؟! فكما أن أهلك يرعون إبلهم، ولا يضيعونها، فكذلك أرعى إبلي، ولا أضيعها، ثم قال، وكيف يضيع ما له من له من الإبل جنات قد أدفئت بكثرة الأوبار على ظهورها؟! ثم قال بعد ذلك يمدح إبله، ويؤكد حفظها:
لمَالُ المرء يصلحه فَيُغْنِى ... مَغَاقِرَهُ أعَفُّ من الْقُنُوع
يُسدُّ به نوائب تعتَرِيهِ ... من الأيَّامِ كالنُّهُل الشُّرُوع
والقنوع: السؤال، والنهل: الإبل العطاش، واحدها: ناهل والشروع: التي تشرع في الماء: وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
يا أَسْمُ صَبْرًا عَلَي مَا كَانَ من حَدَثٍ ... إنَّ الحوادثَ مَلْقيُّ ومُنْتَظَرُ
هذا البيت: لأبي زبيد الطائي، يعزى به أسماء أم عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وقتل بصفين، وكان مع معاوية، ولذلك قال في هذا الشعر:
1 / 41