يُدْني كتائبَ مِنْ كتائبَ تَلْتَقِي ... بالطَّعْن يومَ تخاذلٍ وَعوَارِ
وأنشد أبو القاسم في باب: كم
كمْ بجودٍ مُقْرِفٌ نَالَ العُلاَ ... وكريمٌ بُخْلُهُ قَدْ وَضعَه!
هذا البيت: لأنس بن زنيم، من شعر قاله لعبد الله بن زياد، وقبله:
سَلْ أميري ما اَّلذي غَيَّرَهُ ... عنْ وِصَالِي اليَوْمَ حَتَّى وَدَعَه
لا تهنِّي بعدَمَا أكرمتي ... فشد يد عادة مُنتَزَعَة
لا يكن وعدُكَ بَرْفًا خُلِّبًا ... إنَّ خيرَ البرق ما الْهَرْقُ مَعَه
كم يجود مُقْرِفٌ نال الْعُلا ... وكريمٌ بُخْلُه قَدْ وَضَعَه
أنس: من الأسماء المنقولة؛ لأن الأنس: الناس، قالت الخنساء:
فذاك الحيُّ حيُّ بني سَليمٍ ... بظاعِنهم وبالأنس المقيم
وزنيم: منقول أيضًا؛ لأنه تصغير زنيم مرخم، وهو الدعي والمقرف: الخسيس الأب، فإن كان خسيس الأم فهو هجين، يقول: الجود يشرف الخسيس حتى يعلو قدره! والبخل: يحط منزلة الشريف، حتى يهون أمره!.
وأتى ب ودع على الأصل المرفوض، وقد قرأ بعض القراء: " ما ودعك ربك " ومثله قول الآخر:
فسعى مسْعَاتَهُ في قومه ... ثُمَّ لَمْ يدركْ ولا عَجْزًا وَدَع
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
كمْ عَمَّةٌ لَكَ يا جريرُ وخالَةٍ ... فَدْعَاءَ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي
هذا البيت للفرزدق يهجو به جريرا، وبعده:
شغَّارة تَقِدُ الفصيلَ برجلها ... فَطَّارَة لِقَوَادِمِ اْلأَبْكَارِ
كُنّا نُحَاذِرُ أنْ تضيعَ لقاحُنَاولها إِذا سمِعَتْ دعاءَ يَسَارِ
يقول لجرير: كيف تناجزني وعماتك وخالاتك، قد كن راعياتٍ لإبلي، وإنما يجب لك أن ترعى حقي، وتعترف بتقدمي وسبقي! والفدعاء: التي أصابها الفدع في رجليها من كثرة مشيها وراء الإبل، والفدع: زيغ وميل في القدم بينها وبين الساق، وفي الكف: زيغ، وميل بينها وبين الذراع.
والعشار: النوق التي دخلت في الشهر العاشر من حملها، واحدتها: عشراء.
والشغارة: التي تشغر برجليها كما يشغر الكلب إذا بال.
وتقد الفصيل برجلها: تضربه إذا دنا منها عند الحلب.
والفطر: الحلب بأطراف الأصابع، فإن كان بالكف كله فهو الصف، والصف إنما يكون للكبار من النوق، وأما الصغار فإنما تحلب بأطراف الأصابع لقصر ضروعها، وإنما وصف حذقها، ومعرفتها بالحلب؛ لأنها نشأت عليه!.
ومن خفض العمة، والخالة، أو نصبهما: جعلها عمات وخالات كثيرة، ومن رفع: جعلها عمةً واحدةً، وخالةً واحدةً، وجعل التكثير واقعًا على المرار، كما تقول: كم جاءني زيد، أي مرارًا، كثيرة جاءني زيد، ولذلك صار النصب والخفض أبلغ في الهجاء!.
وإذا رفع العمة والخالة أو خفضهما، فكم: إحبار بلا خلاف في ذلك، وإذا نصبهما ففيهما خلاف: فكان السيرافي يقول: إنها استفهام، وإلى هذا ذهب أبو القاسم - رحمه الله تعالى - وكان الفارسي يقول: لا معنى هنا للاستفهام، ولكنه شبه الخبرية بالاستفهامية، فنصب بها، كما شبه الاستفهامية بالخبرية فخفض بها، في قولك: على كم جذعٍ بيتك مبني.
وتوسط أبو الحسن الربعي الأمر بينهما، فقال: الوجه ما قاله أبو علي، والذي قاله السيرافي يجوز على أنه استفهمه هازئا به!.
وأنشد أبو القاسم في باب: مذ ومنذ.
لمِنْ الدِّيار بِقُنَّة الحِجْر ... أقْوينَ من حجَجٍ ومِنْ دهْرِ
هذا البيت: يروي لزهير بن أبي سلمى.
وزهير: من الأسماء المنقولة، وقد ذكرناه فيما تقدم.
وأما سلمى: فمن الأسماء المرتجلة، وهو مضموم السين، مقصور على مثال حبلى.
واسم أبي سلمى: ربيعة وربيعة: اسم منقول من الربيعة، وهي بيضة السلاح.
والقنة: والقلة باللام والنون -: أعلى الجبل.
وأقوين أقفرن، والحجج السنون، واحدها حجة، ومعناه عند البصريين: من مر حجج، ومن مر دهر، أي: أقوين من أجل مرور السنين والدهور، وتعاقبهما عليها.
ويروي: مذ حجج، ومذ شهر، وهذا على لغة من يخفض بمذ على كل حال، ولأجل هذا قال أبو القاسم: وكان من لغته أن يخفض بمذ على كل حال ويجعلها بمنزلة منذ، أي كان زهير من أهل هذه اللغة.
1 / 30