الشم جمع أشم، وهو الذي في قصبة أنفه استواء وارتفاع، وذلك مما يمدح به، ويستعمل أيضًا بمعنى العزة والانفة، وهو من الناقة متسعار، وهي التي تعطف على البو فربما رئمته وربما شمته بأنفها فلم ترأمه، يضرب ذلك مثلا، وقد ذكر أبو تمام الطائي في قوله:
من الردْينيّة اللاّتي إذا عَسلتْ ... تشم بَوّ الصغار الأنف ذا الشمم
والخضارم الأجواد الكرام، شبهوا بالبحور، يقال: بحر خضرم، إذا كان كثير الماء.
والنصف: الإنصاف، يقول: ليس من الإنصاف أن أهاجي من هو دوني في الحسب، وجلالة المنصب؛ وإنما الإنصاف أن أهاجي من هو كفؤلي! ومعنى أعبد آنف وأكره، ويقال: عبدت من الشيء أعبد عبدا، إذا أنفت منه وغضبت، ومنه قول الله ﷿: " قل إن كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين " أي: الآنفين.
وقوله: لو سببت وسبني: جملة في موضع خبر، لكن، محمول على المعنى؛ كأنه قال: ولكن الإنصاف أن أسب بني عبد شمس.
وهاشم: معطوف على عبد شمس، لا على مناف، لأن عبد شمس وهاشمًا أخوان، أبوهما عبد مناف، وقد أوضح ذلك الفرزدق، في شعر، مدح به هشام بن عبد الملك، وهو قوله:
وَرثْتُم ثيابَ المجد فهي لبوسُكم ... عن ابْنِي مناف: عبد شمس وهاشم
وقال في قصيدة أخرى:
ولو سئلتْ من كفؤنا الشمس أوْمأَتْ ... إلى ابْنَيْ مناف: عبد شمس وهاشم
وأما رغبة الفرزدق بنفسه عن مهاجاة من هو دونه؛ فمذهب غير متفق عليه، بل للعرب في ذلك ثلاثة مذاهب.
كان منهم من يسميه: الخسيس، فيكرم نفسه عن مراجعته، كما يروي عن بشار بن برد، أنه وقف أمامه رجل من الشطار، وبشار ينشد، فقال: استر شعرك كما تستر عورتك!.
فصفق بشار بيديه وغضب، وقال: من أنت ويلك؟! فقال: أنا رجل من باهله؛ وأخوالي: سلول، وأصهاري: عكل، واسمى كلب، واسم أبي: قرد، ومولدي: بأضاح، ومنزلي بنهر بلال.! فضحك بشار، وقال: اذهب، ويحك، فأنت عتيق لؤمك، قد علم الله أنك استترت مني بحصون من حديد!.
ونحو هذا قول الآخر:
نجا بك عرضك منجي الذُّباب ... حمته مقاديره أن يُنَالا
وقال الآخر:
اسمعني عبد بني مِسْمع ... فصنتُ عنه النفس والعِرضا
ولم أُجبْه لاحتقاري له ... ومن ذا بعضّ الكلب إن عضَّا؟!
وكان منهم: من إذا هجاه الخسيس هجا أفضل عشيرته كما قال الآخر:
إنِّي إذا هرَّ كلْب الحيِّ قُلتُ لَهُ ... اسْلم ورَبُّك مَحْنُوق على الخَور
وكان منهم من يهجو كل من هجاه من شريف وخسيس، وقد سلك الفرزدق هذا المسلك، فناقض ما قاله في هذا الشعر! وقال أبو تمام:
رجا أن تنجيه خساسة قدره ... ولم يدر أنَّ الليْث يفترس الكَلْبا
وأنشد أبو القاسم رحمه الله تعالى في هذا الباب:
وكمتًا مُدَمَّاةً كأنّ مُتَوبها ... جَرَى فَوْقها واستَشْعَرتْ لَوْنَ مُذْهَبَ
هذا البيت: لطفيل بن عوف بن ضبيس الغنوي، ويكنى: أبا قران. وكان يسمى محبرًا، واختلف في تسميته بذلك؛ فقال أبو عبيد: سمي بذلك لحسن وصفه للخيل.
وقال ابن قتيبة: سمي بذلك لحسن شعره، وكذلك قال أبو عبيد.
وقال الصولي: سمي بذلك لقوله يصف بردًا.
سَمَاوَتُه أَسمال بُردٍ محَبَّر ... وصَهْوتُه مِنْ أَتحَمِيٍّ معَصَّبِ
وأصح هذه الأقوال: أنه سمي بذلك لحسن شعره.
وروي عن معاوية، أنه قال دعوا لي طفيلًا وسائر الشعراء لكم!! وطفيل من الأسماء المنقولة، يحتمل أن يكون تصغير طفل - المفتوح الطاء - وهو الرخيص الناعم، يقال باز طفل.
ويحتمل أن يكون تصغير طفل - المكسور الطاء - وهي لفظة مشتركة، لها معان مختلفة، فالطفل: الصغير من الأناسي وغيرهم، واختلف الناس في قول زهير بن أبي سلمى.
لأرتحلنْ بالفجر ثم لأدْأبنْ ... إلى الليل إلا أنْ يُعرِّجِني طِفْل
فقال قوم: ولد الناقة، أي إلا أن تلد ناقتي، فأعرج عليها.
وقيل: أراد بالطفل ما يسقط من الزند إذا قدح، أي إلا أن أقدح نارًا، فأنزل؛ قال ذو الرمة يصف شررة سقطت من الزند عند الاقتداح:
فلمَّا بدَتْ كفَّنْتُها وهي طِفْلَة ... بَطلسَإ لم تُكْمل ذِرَاعًا ولا شِبْرَا
ويروى: وهي حية.
1 / 24