وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
وكَمْ مالئٍ عينيهِ من شَيءٍ غَيرهِ ... إذَا رَاحَ نَحوَ الجمرة الْبيضُ كالدُّمَى
هذا البيت: لعمر بن أبي ربيعة، ويكنى أبا الخطاب.
وعمر معدود في الأسماء المرتجلة، وإن كان معدولًا عن عامر.
المعدود في الأسماء المنقولة من الصفات.
فإن قلت: رجل عمر، إذا كان كثير الاعتمار، وقالوا: عمرة الحج وجمعها عمر، فما الذي يمنع أن يكون منقولًا من أحدهما؟ قيل: يمنع من ذلك أنه لو كان منقولًا من أحدهما لانصرف.
وأما ربيعة فبيضة السلاح.
وهذا الشعر قاله عمر بن أبي ربيعة في بنت مروان بن الحكم، وكانت قد حجت وأحبت أن تراه، وخشيت أن يتغزل بها فيفضحها، فدست إليه امرأة ساقته في الليل معصوب العينين؛ لئلا يعلم إلى أين يحمل، فأخذ في يده شيئًا من حناء، فلما وصل إلى الخباء مس بتلك الحناء حاشية الخباء، فلما دخل أزيلت العصابة عن عينيه، وحادثته مدة من الليل، فلما حان انصرافه عصبت عيناه وحمل مقودًا إلى منزله، فلما أصبح قال لبعض غلمانه: اذهب فطف بين الأخبية، فإذا وجدت حناء على خباء، فسل لمن هو؟ فذهب الغلام، وعاد إليه، فأخبره: أنه خباء بنت مروان بن الحكم، ورأت هي أثر الحناء في حاشية الخباء، فعلمت أنه هو الذي فعل ذلك! فوجهت إليه ألف دينار، ورغبت إليه ألا يفضحها، فاشترى بهات عطرًا وبزًا وأهداه لها فأبت أن تقبله فقال: والله لئن لم تقبليه لأنهينه في الناس، فيكون أشهر للأمر، فقبلته! وقال في ذلك ولم يسمها:
وكمْ مِنْ قتيل لا يُباءُ به دَمُ ... ومن غَلِقٍ رهْنًا إذا ضَمَّه مِني!
وكَمْ مَالئِ عَيْنيْه من شيءِ غَيره ... إذا راح نحوَ الجمرةِ البيضُ كالدُّمَى!
يجرُّون أذيال المرُوطِ بأسْوقٍ ... خدَالٍ إذا وَلَّينَ أعْجازها رِوَى
أوَانِسُ يَسْلبْنَ الحليم فُؤَادَه ... فيا طولَ ما جُزْنَ ويا حُسنَ مجتلى
فلم أرَ كالتجمير مَنْظرَ نَاظِرٍ ... ولا كلَيالِي الحجِّ أقْلتْنَ ذَا هَوى
وقوله: لا يباء به دم، أي لا يؤخذ له قود، ويقال أبأت فلانًا بفلان، إذا قتلته به. ولا يكاد يستعمل إلا والثاني؛ كفوء للأول.
وقوله: ومن غلق رهنًا؛ منصوب على التمييز، أراد ومن رجل غلق رهنه، ثم نقل الضمير إلى الصفة فصار بمنزلة حسن وجهًا.
وأجاز أبو العباس محمد بن يزيد نصبه على الحال، وخفضه على البدل من غلق.
ومعنى غلق الرهن: أن يثبت عند المرتهن فلا يقدر على فكاكه.
ويروى البيض بالرفع، وهو المشهور.
وروى بعضهم البيض بالخفض على البدل من شيء كأنه قال: وكم مالئ عينيه من البيض كالدمى.
والمروط: أكسية من خز، وتكون من غيره.
والخدال الممتلئة، وكذلك الروى: جمع ريان وهو ممدود، وقصره للضرورة.
والمجتلى: المنظر، وهو مفتعل من قولك: اجتليت الشيء إذا نظرت إليه.
ومعنى أقلتن: أهلكن بالقاف، وتقديم اللام على التاء، والقلت الهلاك، ويروى أقتلن، أي عرضنه للقتل، بالقاف أيضًا وتقديم التاء على اللام، ويروى أفلتن بالفاء وتقديم اللام على التاء، أي خلصنه فانفلت، ولم يفتن بما رأى.
والتجمير من الجمار.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
هَلْ أنتَ باعثُ دينارٍ لِحاجَتِنَا ... أَوْ عَبْدَ ربٍّ أخا عَوْنِ بن مخْراقِ
هذا البيت: لا أعلم قائله ودينار هاهنا اسم رجل.
وقوله: أو عبد رب ينتصب بالعطف على موضع دينار، لأنه مخفوض اللفظ، منصوب في المعنى، ويجوز نصبه بإضمار، فعل كأنه قال: أو تبعث عبد رب، وهو الذي ذهب إليه أبو القاسم ﵀ ويجوز: أو عبد رب أخي - بالخفض.
وزعم عيسى بن عمر: أنه سمع العرب تنشده منصوبًا.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
الضَّاربون عُميرًا عن بُيوتهم ... بالتَّلِّ يومَ عُميْر ظالِمٌ عَادِي
هذا البيت: للقطامي، وقد ذكر اسمه فيما تقدم من شعره - وهو يمدح به زفر بن الحارث القيسي، وكان أسره ثم أطلقه، وقبله:
نُبِّئتُ قَيْسًا على الحُشَّاكِ قَدْ نَزلُوا ... مِنَّا بحيٍّ على الأضياف حُشَّادِ
فِي الْمجدِ والشَّرف العالي ذوي أمل ... وفي الحياة وفي الأموال زهاد
1 / 19