سُورَة فَاتِحَة الْكتاب
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر
١ - الْفَاتِحَة
﴿مَالك يَوْم الدّين﴾ ٤
قَرَأَ عَاصِم وَالْكسَائِيّ ﴿مَالك يَوْم الدّين﴾ بِأَلف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر ألف وحجتهم ﴿الْملك القدوس﴾ و﴿ملك النَّاس﴾ فتعالى الله الْملك الْحق وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول أَولا تَقولُونَ ﴿فتعالى الله الْملك الْحق﴾
وَحجَّة أُخْرَى ذكرهَا أَبُو عبيد وَهِي أَن كل ملك فَهُوَ مَالك
1 / 77
وَلَيْسَ كل مَالك ملكا لِأَن الرجل قد يملك الدَّار وَالثَّوْب وَغير ذَلِك فَلَا يُسمى ملكا وَهُوَ مَالك وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول ملك تجمع مَالِكًا وَمَالك لَا يجمع ملكا
وَحجَّة أُخْرَى وَهِي أَن وَصفه بِالْملكِ أبلغ فِي الْمَدْح من وَصفه بِالْملكِ وَبِه وصف نَفسه فَقَالَ ﴿لمن الْملك الْيَوْم﴾ فامتدح بِملك ذَلِك وانفراده بِهِ يَوْمئِذٍ فمدحه بِمَا امتدح بِهِ أَحَق وَأولى من غَيره وَالْملك إِنَّمَا هُوَ من ملك لَا من مَالك لِأَنَّهُ لَو كَانَ من مَالك لقيل لمن الْملك بِكَسْر الْمِيم والمصدر من الْملك الْملك يُقَال هَذَا ملك عَظِيم الْملك وَالِاسْم من الْمَالِك الْملك يُقَال هَذَا مَالك صَحِيح الْملك بِكَسْر الْمِيم
وَحجَّة من قَرَأَ مَالك هِيَ أَن مَالِكًا يحوي الْملك ويشتمل عَلَيْهِ وَيصير الْملك مَمْلُوكا لقَوْله جلّ وَعز قل ﴿اللَّهُمَّ مَالك الْملك﴾ فقد جعل الْملك للْمَالِك فَصَارَ مَالك أمدح وَإِن كَانَ يشْتَمل على مَا يشْتَمل عَلَيْهِ الْملك وعَلى ملكه سوى مَا يتلوه ١ / ٢ من زِيَادَة الْألف الَّتِي هِيَ حَسَنَة قد ضمن عَنْهَا عشر حَسَنَات وَالدَّلِيل على هَذَا أَن شَاعِرًا جَاءَ إِلَى رَسُول الله ﷺ يشكو امْرَأَته فَقَالَ
يَا مَالك الْملك وديان الْعَرَب
1 / 78
فَقَالَ رَسُول الله ﷺ مَه ذَلِك الله
وَحجَّة أُخْرَى وَهِي قَوْله ﴿يَوْم لَا تملك نفس لنَفس شَيْئا﴾ فقد أخبر أَنه وَإِذا كَانَ يملك فَهُوَ مَالك
وَحجَّة أُخْرَى ذكرهَا الْأَخْفَش وَهِي أَن مَالِكًا يُضَاف فِي اللَّفْظ إِلَى سَائِر الْمَخْلُوقَات فَيُقَال هُوَ مَالك النَّاس وَالْجِنّ وَالْحَيَوَان وَمَالك الرِّيَاح وَمَالك الطير وَسَائِر الْأَشْيَاء وَلَا يُقَال هُوَ ملك الرّيح وَالْحَيَوَان فَلَمَّا كَانَ ذَلِك كَذَلِك كَانَ الْوَصْف بِالْملكِ أَعم من الْوَصْف بِالْملكِ لِأَنَّهُ يملك جَمِيع مَا ذكرنَا وتحيط بِهِ قدرته وَيحكم يَوْم الدّين بَين خلقه دون سَائِر خلقه
قَالَ عُلَمَاؤُنَا إِنَّمَا يكون الْملك أبلغ فِي الْمَدْح من مَالك فِي صفة المخلوقين لِأَن أحدهم يملك شَيْئا دون شَيْء وَالله يملك كل شَيْء
1 / 79
﴿اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم﴾ ٥ و٦
قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس السراط وسراط بِالسِّين وحجته هِيَ أَن السِّين الأَصْل وَلَا ينْتَقل عَن الأَصْل إِلَى مَا لَيْسَ بِأَصْل وَرُوِيَ ان ابْن عَبَّاس كَانَ يقْرؤهَا بِالسِّين
وَقَرَأَ حَمْزَة بإشمام الزَّاي وَرُوِيَ عَنهُ بالزاي وَهِي لُغَة للْعَرَب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالصَّاد وحجتهم أَنَّهَا كتبت فِي جَمِيع الْمَصَاحِف بالصَّاد قَالَ الْكسَائي هما لُغَتَانِ
﴿صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين﴾
قَرَأَ حَمْزَة عَلَيْهِم وإليهم ولديهم بِضَم الْهَاء قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع فِي رِوَايَة القَاضِي عَن قالون عَنهُ عليهمو وإليهمو
1 / 80
بِكَسْر الْهَاء وَضم الْمِيم وَيصلونَ بواو فِي اللَّفْظ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْمِيم
وَاعْلَم أَن الأَصْل فِي عَلَيْهِم عَلَيْهِم بِضَم الْهَاء وَالْمِيم وَالْوَاو الَّتِي بعد الْمِيم وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن هَذِه الْهَاء للمذكر تضم وتشبع ضمتها فيتولد مِنْهَا الْوَاو نَحْو ضَربته وَإِذا فتحت كَانَت للمؤنث نَحْو رَأَيْتهَا وَهَذِه أَيْضا وَإِن فتحت فأصلها الضَّم بِدلَالَة قَوْلك للاثنين رأيتهما وللجماعة رأيتهن وعلامة الْجمع فِي الْمُذكر إِلَى هَذِه الْهَاء هِيَ الْمِيم المضمومة الَّتِي بعْدهَا وَاو كَمَا هِيَ فِي قَوْلكُم ضربتكم وَأَصله ضربتكمو يتَبَيَّن لَك ذَلِك إِذا اتَّصل بِهِ مُضْمر آخر ترد مَعَه الْوَاو نَحْو ضربتكموه وَلَا تَقول ضربتكمه وَمِنْه قَول الله ﷿ ﴿أنلزمكموها﴾ فَهَذَا مِمَّا يبين لَك أَن الأَصْل عليهمو بِضَمَّتَيْنِ وواو
وَحجَّة من قَرَأَ عَلَيْهِم بِضَم الْهَاء وَسُكُون الْمِيم أَن أَصْلهَا الضَّم فأجري على أصل حركتها وَطلب الخفة بِحَذْف الْوَاو والضمة فَأتى بِأَصْل هُوَ ضم الْهَاء وَترك أصلا هُوَ إِثْبَات الْوَاو وَضم الْمِيم وَأما من قَرَأَ عَلَيْهِم فَإِنَّهُ استثقل ضمة الْهَاء بعد الْيَاء فَكسر الْهَاء لتَكون الْهَاء مَحْمُولَة على الْيَاء الَّتِي قبلهَا وَالْمِيم مَضْمُومَة للواو الَّتِي بعْدهَا فَحمل كل حرف على مَا يَلِيهِ وَهُوَ أقرب إِلَيْهِ
1 / 81
وَحجَّة البَاقِينَ أَن الْهَاء إِذا وَقعت بعد يَاء أَو كسرة كسرت نَحْو بِهِ وَإِلَيْهِ وَعَلِيهِ وَإِنَّمَا اختير الْكسر على الضَّم الَّذِي هُوَ الأَصْل لاستثقال الضمة بعد الكسرة أَلا ترى أَنه قد رفض فِي أصل الْبناء فَلم يجِئ بِنَاء على فعل مَضْمُومَة الْعين بعد كسر الْفَاء وَأما حذف الْوَاو فَلِأَن الْمِيم استغني بهَا عَن الْوَاو وَالْوَاو أَيْضا تثقل على ألسنتهم فَإِذا لقِيت الْمِيم ألف وَلَام فَإِنَّهُم مُخْتَلفُونَ مثل ﴿عَلَيْهِم الذلة﴾ وبهم الْأَسْبَاب فَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بِكَسْر الْهَاء وَالْمِيم وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بضمهما وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الْهَاء وَضم الْمِيم وَإِنَّمَا كسروا الْهَاء لمجاورة الْيَاء والكسرة وَإِنَّمَا رفعوا الْمِيم لأَنهم لما احتاجوا إِلَى تحريكها من أجل السَّاكِن الَّذِي لَقيته رد عَلَيْهَا الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت لَهَا فِي الأَصْل وَهِي الضَّم لِأَن أصل الْمِيم الضَّم وَقد بَينا فِيمَا تقدم
وَأما أَبُو عَمْرو فَإِنَّهُ لما غير الْهَاء عَن أَصْلهَا كَرَاهِيَة الثّقل فعل ذَلِك فِي الْمِيم حِين أَرَادَ تحريكها للساكن بعْدهَا فأتبع الْمِيم كسر مَا قبلهَا كَرَاهِيَة أَن يخرج من كسر إِلَى ضم فأتبع الْكسر الْكسر ليؤلف بَين الحركات عِنْد حَاجته إِلَى تَحْرِيك الْمِيم
وَحجَّة من ضم الْهَاء وَالْمِيم هِيَ أَن الْمِيم لما احْتِيجَ إِلَى تحريكها من أجل السَّاكِن رد عَلَيْهَا الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت فِي الأَصْل وَهِي الضَّم فَلَمَّا انضمت الْمِيم غلبت على الْهَاء وأخرجتها فِي حيّز مَا قبلهَا من الْكسر فَرَجَعت الْهَاء إِلَى أَصْلهَا
1 / 82
٢ - سُورَة الْبَقَرَة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ﴿ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ هدى لِلْمُتقين﴾
قرأن ابْن كثير فيهي وعليهي بإشباع الْهَاء يصلها بياء وحجته أَن أَصْلهَا فيهو وعليهو ثمَّ قلبوا الْوَاو يَاء للياء الَّتِي قبلهَا وكسروا الْهَاء فَصَارَت فيهي وعليهي وَقَرَأَ ايضا فَقُلْنَا اضربوهو ومنهو بإشباع الْهَاء يصلها بواو على أَصْلهَا
قَرَأَ الْبَاقُونَ فِيهِ وَعَلِيهِ من غير إشباع وحجتهم أَن الكسرة تنوب عَن الْيَاء وتدل عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الضمة قَالَ أهل الْبَصْرَة إِنَّمَا حذفت الْيَاء لسكونها وَسُكُون الْيَاء الَّتِي قبل الْهَاء لِأَن الْهَاء لَيست بحاجز حُصَيْن فَكَأَن السَّاكِن قبلهَا ملاق للساكن الَّذِي بعْدهَا فتحذف الْيَاء أَلا ترى أَنَّهَا إِذا تحرّك مَا قبلهَا لم تحذف مِنْهَا الْيَاء نَحْو أمه وصاحبته لِأَن مَا قبلهَا متحرك فَلَيْسَ يجْتَمع ساكنان
قَرَأَ أَبُو عَمْرو فِيهِ هدى وَقيل لَهُم بِالْإِدْغَامِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالإظهار
1 / 83
وَحجَّة أبي عَمْرو أَن إِظْهَار الْكَلِمَتَيْنِ كإعادة الحَدِيث مرَّتَيْنِ فأسكن الْحَرْف الأول وأدغمه فِي الثَّانِي ليعْمَل اللِّسَان مرّة وَاحِدَة وَشبه الْخَلِيل ذَلِك بالمقيد إِذا رفع رجله فِي مَوضِع ثمَّ أَعَادَهَا إِلَيْهِ ثَانِيَة قَالَ وَالَّذِي أوجب الْإِدْغَام هُوَ أَنه يثقل على اللِّسَان رَفعه من مَكَان وإعادته فِي ذَلِك الْمَكَان أَو فِيمَا يقرب مِنْهَا وَشبه غَيره بِإِعَادَة الحَدِيث مرَّتَيْنِ
وَأما من أظهر فَإِنَّهُ أَتَى بالْكلَام على أَصله وَأدّى لكل حرف حَقه من إعرابه لتكثر حَسَنَاته إِذْ كَانَ لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات
﴿الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ ٣ ٣
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وورش عَن نَافِع يومنون بِغَيْر همز وَكَذَلِكَ يَأْكُلُون ويومرون وحجتهما فِي ذَلِك ثقل الْهَمْز وَبعد مخرجها وَمَا فِيهَا من الْمَشَقَّة فَطلب من تخفيفها مَا لم يطْلب من تَخْفيف مَا سواهَا وَلِهَذَا قيل النُّطْق بهَا كالتهوع
وورش يتْرك أَيْضا الْهمزَة المتحركة مثل / لَا يُوَاخِذُكُمْ / وَلَا يوده وَأَبُو عَمْرو يهمز
1 / 84
وحجته أَن الْهمزَة الساكنة أثقل من المتحركة وَذَلِكَ أَن تخرج الْهمزَة الساكنة من الصَّدْر وَلَا تخرج إِلَّا مَعَ حبس النَّفس والهمزة المتحركة تعينها حركتها وَتعين الْمُتَكَلّم بهَا على خُرُوجهَا فَلذَلِك همز أَبُو عَمْرو المتحركة وَترك الساكنة وَترك أَيْضا ورش مَا كَانَ سكونها عَلامَة للجزم نَحْو إِن نَشأ وتسؤهم وهمز أَبُو عَمْرو وحجته فِي ذَلِك أَن الْكَلِمَة قد سقط مِنْهَا حرف قبل الْهمزَة لسكونها وَسُكُون الْهمزَة وَهُوَ الْألف من نشَاء وَالْوَاو من تسوؤهم وَسَقَطت حَرَكَة الْهمزَة للجزم فَلَو أسقط مِنْهَا الْهمزَة لَكَانَ قد أسقط من الْكَلِمَة ثَلَاثَة اشياء الْهمزَة وحركتها وَالْألف فيخل بِالْكَلِمَةِ
﴿وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك﴾ ﴿وعَلى أَبْصَارهم غشاوة﴾
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو بِمَا أنزل إِلَيْك وعَلى أَبْصَارهم لَا يمدون حرفا لحرف وَهُوَ أَن تكون الْمدَّة من كلمة والهمزة من أُخْرَى وحجتهم فِي ذَلِك أَنهم أَرَادوا الْفرق بَين مَا الْمدَّة فِيهِ لَازِمَة لَا تَزُول بِحَال وَبَين مَا هِيَ فِيهِ عارضة قد تَزُول فِي بعض الْأَحْوَال نَحْو بِمَا أنزل إِلَيْك فَإِنَّهَا تَزُول عِنْد الْوَقْف وَالَّتِي لَا تَزُول نَحْو دُعَاء ونداء وَبِنَاء وسماء فَجعلُوا ذَلِك فرقا بَينهمَا
وَقَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ مدا وسطا وَمد حَمْزَة وَعَاصِم مدا
1 / 85
مفرطا وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْمَدّ إِنَّمَا وَجب عِنْد اسْتِقْبَال الْهمزَة سَوَاء كَانَت الْهمزَة من نفس الْكَلِمَة أَو من الْأُخْرَى إِذا التقتا لِأَنَّهُ لَا فرق فِي اللَّفْظ بَينهمَا
﴿سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ﴾
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو آنذرتهم آنت يهمزان ثمَّ يمدان بعد الْهمزَة وَتَقْدِير هَذَا أَن تدخل بَين ألف الإستفهام وَبَين الْهمزَة الَّتِي بعْدهَا ألفا ليبعد الْمثل عَن الْمثل وَيَزُول الإجتماع فيخف اللَّفْظ وَالْأَصْل ﴿أأنذرتهم﴾ ثمَّ تلين الْهمزَة فِي أنذرتهم
وحجتهما فِي ذَلِك أَن الْعَرَب تستثقل الْهمزَة الْوَاحِدَة فتخففها فِي أخف أحوالها وَهِي سَاكِنة نَحْو كاس فَإِذا كَانَت تخفف وَهِي وَحدهَا فَإِن تخفف وَمَعَهَا مثلهَا أولى
وَقَرَأَ ابْن كثير أنذرتهم بِهَمْزَة وَاحِدَة غير مُطَوَّلَة ومذهبه أَن يُحَقّق الأولى ويخفف الثَّانِيَة وَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة ﴿أأنذرتهم﴾ أَأَنْت بهمزتين وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْهمزَة حرف من حُرُوف المعجم كَغَيْرِهِ من سَائِر الْحُرُوف صَحا بِالْجمعِ بَينهمَا نَحْو مَا يجْتَمع فِي الْكَلِمَة حرفان مثلان فَيُؤتى بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا صَحِيحا على جِهَته من غير تَغْيِير كَقَوْلِه ﴿أتمدونن بِمَال﴾ و﴿لَعَلَّكُمْ تتفكرون﴾ ونظائر ذَلِك فَلَا يستثقل اجْتِمَاعهمَا بل يُؤْتى بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا فَجعل الهمزتين كَغَيْرِهَا من سَائِر الْحُرُوف
1 / 86
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ وورش على ابصارهم وقنطار ودينار بإمالة الْألف وحجتهم فِي ذَلِك أَن انْتِقَال اللِّسَان من الْألف إِلَى الكسرة بِمَنْزِلَة النَّازِل من علو إِلَى هبوط فقربوا الْألف فإمالتهم إِيَّاهَا من الْكسر ليَكُون عمل اللِّسَان من جِهَة وَاحِدَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ أَبْصَارهم بِغَيْر إمالة وحجتهم فِي ذَلِك أَن بَاب الْألف هُوَ الْفَتْح دون غَيره وَأَن مَا قبل الْألف لَا يكون أبدا إِلَّا مَفْتُوحًا لِأَنَّهُ تَابع لَهَا فتركوها على بَابهَا من غير تَغْيِير ﴿وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم﴾
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو ﴿وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم﴾ بِالْألف وَاحْتج أَبُو عَمْرو بِأَن قَالَ إِن الرجل يُخَادع نَفسه وَلَا يخدعها قَالَ الْأَصْمَعِي لَيْسَ أحد يخدع نَفسه إِنَّمَا يخادعها
وَقَرَأَ أهل الشَّام والكوفة ﴿وَمَا يخدعون﴾ بِغَيْر ألف وحجتهم فِي ذَلِك أَن الله أخبر عَن هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقين أَنهم يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا بقَوْلهمْ ﴿آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر﴾ فَأثْبت لَهُم مخادعتهم الله وَالْمُؤمنِينَ ثمَّ يخبر عَنْهُم عقيب ذَلِك أَنهم لَا يخادعونه وَلَا يخادعون إِلَّا أنفسهم فَيكون قد نفى عَنْهُم فِي آخر الْكَلَام مَا أثْبته لَهُم فِي أَوله وَلكنه أخبر أَن المخادعة من فعلهم ثمَّ إِن الخدع إِنَّمَا يَحِيق بهم خَاصَّة دونه
﴿فِي قُلُوبهم مرض فَزَادَهُم الله مَرضا وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون﴾
1 / 87
قَرَأَ حَمْزَة فَزَادَهُم الله بالإمالة وَكَذَلِكَ جَاءَ وَشاء وخاب وحاق وَخَافَ وطاب وضاق وزاع وَدخل ابْن عَامر مَعَه فِي جَاءَ وَشاء و﴿فَزَادَهُم الله﴾ وحجتهما فِي ذَلِك أَن فَاء الْفِعْل مِنْهَا مَكْسُورَة إِذا ردهَا الْمُتَكَلّم إِلَى نَفسه نَحْو زِدْت وَجئْت وطبت وَلِهَذَا قَرَأَ حَمْزَة ﴿فَلَمَّا زاغوا﴾ بالإمالة أزاع الله بِالْفَتْح لِأَن فَاء الْفِعْل مَفْتُوحَة تَقول أزغت وَكَذَلِكَ فأجاءها الْمَخَاض بِغَيْر إمالة لِأَنَّك تَقول أجأت وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِغَيْر إمالة على أصل الْكَلِمَة وحجتهم فِي ذَلِك أَن أصل كل فعل إِذا كَانَ ثلاثيا أَن يكون أَوله مَفْتُوحًا
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ ﴿بِمَا كَانُوا يكذبُون﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ من كذب يكذب تَكْذِيبًا أَي إِنَّهُم يكذبُون النَّبِي ﷺ وَالْقُرْآن وحجتهم مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِنَّمَا عوتبوا على التَّكْذِيب لَا على الْكَذِب وَفِي التَّنْزِيل مَا يدل
1 / 88
على التثقيل ﴿وَلَقَد كذبت رسل من قبلك﴾
وَحجَّة أُخْرَى أَن وَصفهم بالتكذيب أبلغ فِي الذَّم من وَصفهم بِالْكَذِبِ لِأَن كل مكذب كَاذِب وَلَيْسَ كل كَاذِب مُكَذبا
وَحجَّة التَّخْفِيف أَن ذَلِك أشبه مَا قبل الْكَلِمَة وَمَا بعْدهَا فَالَّذِي قبلهَا مِمَّا يدل على الْكَذِب ﴿وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر﴾ وَقَالَ الله ﴿وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون﴾ وَمَا بعْدهَا قَوْله ﴿وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ﴾ فَقَوله ﴿وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم﴾ دلَالَة على كذبهمْ فِيمَا ادعوهُ من إِيمَانهم وَإِذا كَانَ أشبه بِمَا قبله وَمَا بعده فَهُوَ أولى
﴿وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض﴾
قَرَأَ الْكسَائي ﴿وَإِذا قيل لَهُم﴾ بالإشمام وَكَذَلِكَ يفعل فِي غيض المَاء وسيء وحيل وَجِيء وسيق وَابْن عَامر دخل مَعَه فِي حيل وَشَيْء وسيق وَنَافِع دخل مَعَهُمَا فِي سيء
1 / 89
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيع ذَلِك بِالْكَسْرِ وحجتهم فِي ذَلِك أَن الأَصْل فِي ذَلِك قَول وحول وسوئ وسوق وغيض وجيئ فاستثقلت الضمة على فَاء الْفِعْل وَبعدهَا وَاو مَكْسُورَة وياء مَكْسُورَة فنقلت الكسرة مِنْهُمَا إِلَى فَاء الْفِعْل وقلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا فَقيل فِي ذَلِك قيل وحيل وَأَخَوَاتهَا
وَحجَّة الْكسَائي فِي ذَلِك أَنه لما كَانَ الأَصْل فِي كل ذَلِك فعل بِضَم الْفَاء الَّتِي يدل ضمهَا على ترك تَسْمِيَة الْفَاعِل أَشَارَ فِي أوائلهن إِلَى الضَّم لتبقى بذلك دلَالَة على معنى مَا لم يسم فَاعله وَأَن الْقَاف كَانَت مَضْمُومَة ﷺ َ - بَاب الهمزتين
بَاب الهمزتين تلتقيان من كَلِمَتَيْنِ وهما مختلفتا الْإِعْرَاب وهما على سِتَّة أوجه وَجه مِنْهَا لم يجِئ فِي الْقُرْآن وَهِي الْهمزَة الْمَكْسُورَة الَّتِي بعْدهَا همزَة مَضْمُومَة كَقَوْلِك هَؤُلَاءِ أُمَرَاء وباقيها مَوْجُودَة فِي الْقُرْآن
١ - فَأول ذَلِك المضمومة الَّتِي بعْدهَا الْمَفْتُوحَة كَقَوْلِه ﴿السُّفَهَاء أَلا﴾ تهمز الأولى وتخفف الثَّانِيَة وتنحو بهَا نَحْو الْألف
٢ - وَبعد ذَلِك المضمومة الَّتِي بعْدهَا مَكْسُورَة كَقَوْلِه ﴿وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا﴾ تهمز الأولى وتنحو بِالثَّانِيَةِ نَحْو
1 / 90
الْيَاء من غير أَن تكسرها
٣ - وَالثَّالِثَة الْمَفْتُوحَة الَّتِي بعْدهَا مَكْسُورَة نَحْو قَوْله ﴿أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر﴾
٤ - وَالرَّابِعَة الْمَفْتُوحَة الَّتِي بعْدهَا مَضْمُومَة كَقَوْلِه ﴿جَاءَ أمة رسولها﴾ تهمز الأولى وتنحو بِالثَّانِيَةِ نَحْو الْوَاو من غير ضم
٥ - وَالْخَامِسَة الْمَكْسُورَة الَّتِي بعْدهَا مَفْتُوحَة نَحْو قَوْله ﴿أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف﴾ تهمز الأولى وتنحو بِالثَّانِيَةِ نَحْو الْألف فَهَذَا مَذْهَب نَافِع وَابْن كثير وَأبي عَمْرو
وحجتهم أَن الْعَرَب تستثقل الْهمزَة الْوَاحِدَة فتخففها فِي أخف أحوالها وَهِي سَاكِنة نَحْو كاس فتقلب الْهمزَة ألفا فَإِذا كَانَت تخفف وَهِي وَحدهَا فَأن تخفف وَمَعَهَا مثلهَا أولى
وَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة بهمزتين فِي جَمِيع ذَلِك أَرَادوا التَّحْقِيق وتوفية كل حرف حَقه من حركته ونصيبه من الْإِعْرَاب إِذْ كَانَت الْهمزَة حرفا من حُرُوف المعجم يلْزمهَا من الْحَرَكَة مَا يلْزم سَائِر الْحُرُوف فجاؤوا بِكُل همزَة من المجتمعتين على هيأتها إِرَادَة التَّبْيِين والنطق بِكُل حرف من كتاب الله على جِهَته من غير إِبْدَال وَلَا تَغْيِير فَإِذا التقتا متفقتي الْإِعْرَاب وَذَلِكَ أَن تَكُونَا مكسورتين كَقَوْلِه ﴿هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم﴾ أَو تَكُونَا مفتوحتين كَقَوْلِه جَاءَ أمرنَا أَو تَكُونَا مضمومتين كَقَوْلِه أَوْلِيَاء أُولَئِكَ فَقَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة
1 / 91
جَمِيع ذَلِك بهمزتين وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
وورش عَن نَافِع والقواس عَن ابْن كثير يهمزان الأولى ويلينان الثَّانِيَة ويشيران بِالْكَسْرِ إِلَيْهَا وَفِي المتفوحتين يشيران بِالْفَتْح إِلَيْهَا وَفِي المضمومتين يشيران بِالضَّمِّ إِلَيْهَا وَأما نَافِع والبزي عَن ابْن كثير فيلينان الأولى شبه الْيَاء ويهمزان الثَّانِيَة وَفِي المضمومتين شبه الْوَاو وَهَذَا بَاب تحكمه المشافهة لَا الْكِتَابَة وَفِي المفتوحتين يحذفون الأولى بِلَا عوض
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو جَمِيع ذَلِك بِهَمْزَة وَاحِدَة حذف إِحْدَاهمَا وَاكْتفى بِالْأُخْرَى عَنْهَا وَهَا هُنَا خلاف آلمحذوفة هِيَ الأولى أم الثَّانِيَة
فَمن حجَّة من يَقُول الثَّانِيَة أَنَّهَا هِيَ الَّتِي جلبت مُعظم الثّقل فَكَانَ الْحَذف فِيهَا أوجب لِأَن الأولى لَو انْفَرَدت لما وَجب حذفهَا وَلما جَازَ وَحجَّة من يَقُول الأولى هِيَ المحذوفة هِيَ أَن الأولى وَقعت فِي الْكَلِمَة آخرا وَالثَّانيَِة وَقعت فِي كلمتها أَولا والأواخر أَحَق بالإعلال من الْأَوَائِل أَلا ترى أَن هَذِه الْهمزَة إِذا وقف الْإِنْسَان على جَاءَ وعَلى هَؤُلَاءِ فَإِنَّهَا تسْقط عِنْد الْوَقْف فَالْأولى إِذا أَحَق بالإسقاط من الثَّانِيَة
1 / 92
﴿وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم﴾
وَقَرَأَ أبوعمرو وَنَافِع فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل وقالون وَالْكسَائِيّ وَهُوَ بِكُل لَهو فَهِيَ سَاكِنة الْيَاء
وحجتهم أَن الْفَاء مَعَ هِيَ وَهُوَ قد جعلت الْكَلِمَة بِمَنْزِلَة فَخذ وفخذ فاستثقلوا الكسرة والضمة فحذفوها للتَّخْفِيف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فَهُوَ فَهِيَ بالتثقيل على أصل الْكَلِمَة وَذَلِكَ أَن الْهَاء كَانَت متحركة قبل دُخُول هَذِه الْحُرُوف عَلَيْهَا فَلَمَّا دخلت هَذِه الْحُرُوف لم تَتَغَيَّر عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ من قبل
﴿قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ﴾
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو إِنِّي أعلم بِفَتْح الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَان الْيَاء فَأَما من فتح الْيَاء فعلى أصل الْكَلِمَة وَذَلِكَ أَن الْيَاء اسْم الْمُتَكَلّم وَالِاسْم لَا يَخْلُو من أَن يكون مضمرا أَو مظْهرا فَإِذا كَانَ ظَاهرا أعرب وَإِذا كَانَ مضمرا بني على حَرَكَة كالكاف فِي ضربتك وَالتَّاء فِي قُمْت وَكَذَلِكَ الْيَاء وَجب أَن تكون مَبْنِيَّة على حَرَكَة لِأَنَّهَا عَلامَة إِضْمَار وَهِي خلف من المعربة وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله وَمَا أَدْرَاك ماهيه حسابيه لِأَن الْهَاء إِنَّمَا أُتِي بهَا للسكت لتبين بهَا حَرَكَة مَا قبلهَا وَأما من سكن الْيَاء فَإِنَّهُ عدل بهَا عَن أَصْلهَا استثقالا للحركة عَلَيْهَا لِأَن الْيَاء حرف ثقيل فَإِذا حرك ازْدَادَ ثقلا إِلَى ثقله
1 / 93
وَفِي يَاء الْإِضَافَة أَربع لُغَات فتح الْيَاء على أصل الْكَلِمَة وإسكانها تَخْفِيفًا وَإِثْبَات الْهَاء بعد الْيَاء والحذف تَقول هَذَا غلامي قد جَاءَ وَغُلَامِي وغلاميه وَغُلَام
﴿فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾
قَرَأَ حَمْزَة / فأزالهما الشَّيْطَان عَنْهَا / بِالْألف أَي نحاهما عَن الْحَال الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا من قَول الْقَائِل أَزَال فلَان فلَانا عَن مَوْضِعه إِذا نحاه عَنهُ وَزَالَ هُوَ وحجته قَوْله ﴿يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة﴾ أَي اثبتا فثبتا فأزالهما الشَّيْطَان فقابل الثَّبَات بالزوال الَّذِي هُوَ خِلَافه وَمِمَّا يُقَوي قِرَاءَته قَوْله ﴿فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ فإخراجهما فِي الْمَعْنى قريب من إزالتهما
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فأزلهما من زللت وأزلني غَيْرِي أَي أوقعهما فِي الزلل وَهُوَ أَن يزل الْإِنْسَان عَن الصَّوَاب إِلَى الْخَطَأ والزلة وحجتهم قَوْله إِنَّمَا استزلهم الشَّيْطَان وَنسب الْفِعْل إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُمَا زلا بإغواء الشَّيْطَان إيَّاهُمَا فَصَارَ كَأَنَّهُ أزلهما
﴿فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات﴾ ٣٧
قَرَأَ ابْن كثير فَتلقى آدم نصب كَلِمَات رفع جعل الْفِعْل للكلمات لِأَنَّهَا تلقت آدم ﵇ وحجته أَن الْعَرَب تَقول تلقيت زيدا وتلقاني زيد وَالْمعْنَى وَاحِد لِأَن من لَقيته فقد لقيك وَمَا نالك فقد نلته
1 / 94
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ﴿فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات﴾ آدم رفع بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ تلقى من ربه الْكَلِمَات أَي أَخذهَا مِنْهُ وحفظها وفهمها وَالْعرب تَقول تلقيت هَذَا من فلَان الْمَعْنى إِن فهمي قبلهَا مِنْهُ وحجتهم مَا رُوِيَ فِي التَّفْسِير فِي تَأْوِيل قَوْله ﴿فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات﴾ أَي قبلهَا فَإِذا كَانَ آدم الْقَابِل فالكلمات مَقْبُولَة
﴿فَمن تبع هُدَايَ فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ﴾
قَرَأَ ورش عَن نَافِع ﴿فَمن تبع هُدَايَ﴾ سَاكِنة الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْيَاء وَإِنَّمَا فتحت لِأَنَّهَا أَتَت بعد سَاكن واصلها الْحَرَكَة الَّتِي هِيَ الْفَتْح وَقد ذكرته عِنْد قَوْله إِنِّي أعلم
﴿وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة﴾
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَلَا تقبل مِنْهَا بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ من قَرَأَ بِالتَّاءِ فلتأنيث الشَّفَاعَة وَسقط السُّؤَال فَصَارَ كَقَوْلِه ﴿وَأخذت الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة﴾
وَحجَّة من قَرَأَ بِالْيَاءِ هِيَ أَن تَأْنِيث الشَّفَاعَة لَيست حَقِيقِيَّة فلك فِي لَفظه فِي الْفِعْل التَّذْكِير والتأنيث تَقول قد قبل مِنْك الشَّفَاعَة وَقبلت مِنْك وَكَذَلِكَ ﴿فَمن جَاءَهُ موعظة﴾ لِأَن معنى موعظة وَوعظ وشفاعة وَتشفع وَاحِد فَلذَلِك جَازَ التَّذْكِير والتأنيث على اللَّفْظ وَالْمعْنَى
1 / 95
وَحجَّة أُخْرَى لما فصل بَين اسْم الْمُؤَنَّث وَفعله بفاصل ذكر الْفِعْل لِأَن الْفَاصِل صَار كالعوض مِنْهُ وَمثله ﴿لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة﴾ ﴿وَإِذ واعدنا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة﴾ ٥١
قَرَأَ ابو عَمْرو وإ وعدنا مُوسَى بِغَيْر ألف وَكَذَلِكَ فِي الْأَعْرَاف وطه
وحجته أَن المواعدة إِنَّمَا تكون بَين الْآدَمِيّين وَأما الله جلّ وَعز فَإِنَّهُ الْمُنْفَرد بالوعد والوعيد وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله ﴿إِن الله وَعدكُم وعد الْحق﴾
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَإِذ واعدنا بِالْألف وحجتهم أَن المواعدة كَانَت من الله وَمن مُوسَى فَكَانَت من الله أَنه وَاعد مُوسَى لقاءه على الطّور ليكلمه ويكرمه بمناجاته وواعد مُوسَى ربه الْمصير إِلَى الطّور لما أمره بِهِ وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى على إِسْنَاد الْوَعْد إِلَى الله نَظِير مَا تَقول طارقت نَعْلي وسافرت وَالْفِعْل من وَاحِد على مَا تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب
﴿فتوبوا إِلَى بارئكم﴾
1 / 96