215

حجة الله البالغة

حجة الله البالغة

پوهندوی

السيد سابق

خپرندوی

دار الجيل

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

سنة الطبع

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

(بَاب الْفرق بَين أهل الحَدِيث وَأَصْحَاب الرَّأْي)
اعْلَم أَنه كَانَ من الْعلمَاء فِي عصر سعيد بن الْمسيب وَإِبْرَاهِيم وَالزهْرِيّ، وَفِي عصر مَالك وسُفْيَان، وَبعد ذَلِك - قوم يكْرهُونَ الْخَوْض بِالرَّأْيِ، ويهابون الْفتيا والاستنباط إِلَّا لضَرُورَة لَا يَجدونَ مِنْهَا بدا، وَكَانَ أكبر هَمهمْ رِوَايَة حَدِيث رَسُول الله ﷺ، سُئِلَ عبد الله بن مَسْعُود عَن شَيْء، فَقَالَ: إِنِّي لأكْره أَن أحل لَك شَيْئا حرمه الله عَلَيْك، أَو أحرم مَا أحله الله لَك. وَقَالَ معَاذ بن جبل: يَا أَيهَا النَّاس، لَا تعجلوا بالبلاء قبل
نُزُوله، فَإِنَّهُ لم يَنْفَكّ الْمُسلمُونَ أَن يكون فيهم من إِذا سُئِلَ سرد، وَرُوِيَ نَحْو ذَلِك عَن عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود فِي كَرَاهَة التَّكَلُّم فِيمَا لم ينزل. وَقَالَ ابْن عمر لجَابِر بن زيد: إِنَّك من فُقَهَاء الْبَصْرَة، فَلَا تفت إِلَّا بقرآن نَاطِق أَو سنة مَاضِيَة، فَإنَّك إِن فعلت غير ذَلِك هَلَكت، وأهلكت وَقَالَ أَبُو النَّصْر - لما قدم أَبُو سَلمَة الْبَصْرَة - أَتَيْته أَنا وَالْحسن فَقَالَ لِلْحسنِ: أَنْت الْحسن؟ مَا كَانَ أحد بِالْبَصْرَةِ أحب إِلَى لِقَاء مِنْك، وَذَلِكَ أَنه بَلغنِي أَنَّك تُفْتِي بِرَأْيِك، فَلَا تفت بِرَأْيِك إِلَّا أَن يكون سنة عَن رَسُول الله ﷺ أَو كتاب منزل. وَقَالَ ابْن الْمُنْكَدر: إِن الْعَالم يدْخل فِيمَا بَين الله وَبَين عباده، فليطلب لنَفسِهِ الْمخْرج. وَسُئِلَ الشّعبِيّ. كَيفَ كُنْتُم تَصْنَعُونَ إِذا سئلتم؟ قَالَ: على الْخَبِير وَقعت كَانَ إِذا سُئِلَ الرجل قَالَ لصَاحبه: أفتهم، فَلَا يزَال حَتَّى يرجع إِلَى الأول، وَقَالَ الشّعبِيّ: مَا حدثوك هَؤُلَاءِ عَن رَسُول الله ﷺ فَخذ بِهِ، وَمَا قَالُوهُ برأيهم، فألقه فِي الحش أخرج هَذِه الْآثَار عَن آخرهَا الدَّارمِيّ، فَوَقع شيوع تدوين الحَدِيث والأثر فِي بلدان الْإِسْلَام، وَكِتَابَة الصُّحُف والنسخ حَتَّى قل من يكون أهل الرِّوَايَة إِلَّا كَانَ لَهُ تدوين أَو صحيفَة أَو نُسْخَة من حَاجتهم لموقع عَظِيم، فَطَافَ من أدْرك من عظمائهم ذَلِك الزَّمَان بِلَاد الْحجاز وَالشَّام وَالْعراق، ومصر واليمن وخراسان، وجمعوا الْكتب، وتتبعوا النّسخ، وأمعنوا فِي التفحص عَن غَرِيب الحَدِيث ونوادر الْأَثر، فَاجْتمع باهتمام أُولَئِكَ من الحَدِيث والْآثَار مَا لم يجْتَمع لأحد قبلهم، وتيسر لَهُم مَا لم يَتَيَسَّر لأحد قبلهم، وخلص إِلَيْهِم من طرق الْأَحَادِيث شَيْء كثير حَتَّى كَانَ يكثر من الْأَحَادِيث عِنْدهم مائَة طَرِيق فَمَا فَوْقهَا، فكشف بعض الطّرق مَا استتر فِي بَعْضهَا الآخر، وَعرفُوا مَحل كل حَدِيث من الغرابة والاستفاضة، وَأمكن لَهُم النّظر فِي المتابعات والشواهد، وَظهر عَلَيْهِم أَحَادِيث صَحِيحَة
كَثِيرَة لم تظهر على أهل الْفَتْوَى من قبل. قَالَ الشَّافِعِي لِأَحْمَد: أَنْتُم أعلم بالأخبار الصَّحِيحَة منا، فَإِذا كَانَ خبر صَحِيح، فأعلموني حَتَّى أذهب إِلَيْهِ كوفيا كَانَ أَو بصريا أَو شاميا، حَكَاهُ ابْن الْهمام، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كم من حَدِيث صَحِيح لَا يرويهِ إِلَّا أهل بلد خَاصَّة كأفراد الشاميين والعراقيين أَو أهل بَيت خَاصَّة كنسخة بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى، ونسخة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه

1 / 254