حجة الله البالغة
حجة الله البالغة
پوهندوی
السيد سابق
خپرندوی
دار الجيل
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
سنة الطبع
د خپرونکي ځای
بيروت - لبنان
على وُجُوه من الارتفاقات، وَذَلِكَ قَوْله ﷺ: " بعثت لمحق المعازف ". وَقَوله ﷺ: " بعثت لأتمم مَكَارِم الْأَخْلَاق ".
وَاعْلَم أَنه لَيْسَ رضَا الله تَعَالَى فِي إهمال الارتفاق الثَّانِي وَالثَّالِث. وَلم يَأْمر بذلك أحد من الْأَنْبِيَاء ﵈. وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا ظَنّه قوم فروا إِلَى الْجبَال، وَتركُوا مُخَالطَة النَّاس رَأْسا فِي الْخَيْر وَالشَّر، وصاروا بِمَنْزِلَة الْوَحْش، وَلذَلِك رد النَّبِي ﷺ على من أَرَادَ التبتل وَقَالَ: " مَا بعثت بالرهبانية وَإِنَّمَا بعثت بالملة الحنيفية السمحة " لَكِن الانبياء ﵈ أمروا بتعديل الارتفاقات، وَألا يبلغ بهَا حَال المتعمقين فِي الرَّفَاهِيَة كملوك الْعَجم، وَلَا ينزل بهَا إِلَى - حَال سكان شَوَاهِق الْجبَال اللاحقين بالوحش.
وَهنا قياسان متعارضان: أَحدهمَا أَن الترفه حسن يَصح بِهِ المزاج، ويستقيم بِهِ الْأَخْلَاق، وَيظْهر بِهِ الْمعَانِي الَّتِي امتاز بِهِ الْآدَمِيّ من سَائِر بني جنسه، والغباوة وَالْعجز وَنَحْوهمَا تنشأ من سوء التَّدْبِير.
وَثَانِيهمَا أَن الترفه قَبِيح لاحتياجه إِلَى منازعات ومشاركات وكد وتعب وإعراض عَن جَانب الْغَيْب وإهمال لتدبير الْآخِرَة، وَلذَلِك كَانَ المرضى التَّوَسُّط وإبقاء الارتفاقات وَضم الْأَذْكَار مَعهَا والآداب وانتهاز فرص للتوجه إِلَى الجبروت، وَالَّذِي أَتَى بِهِ الْأَنْبِيَاء قاطبة من عِنْد الله تَعَالَى فِي هَذَا الْبَاب هُوَ أَن ينظر إِلَى مَا عِنْد الْقَوْم من آدَاب الْأكل وَالشرب واللباس وَالْبناء ووجوه الزِّينَة، وَمن سنة النِّكَاح وسيرة المتناكحين، وَمن طرق البيع وَالشِّرَاء، وَمن وُجُوه المزاجر عَن الْمعاصِي وَفصل القضايا وَنَحْو ذَلِك. فَإِن كَانَ الْوَاجِب بِحَسب الرَّأْي الْكُلِّي منطبقا عَلَيْهِ، فَلَا معنى لتحويل شَيْء مِنْهُ من مَوْضِعه وَلَا الْعُدُول عَنهُ إِلَى غَيره، بل يجب أَن يحث الْقَوْم على الْأَخْذ بِمَا عِنْدهم، وَأَن يصوب رَأْيهمْ فِي ذَلِك، ويرشدوا إِلَى مَا فِيهِ من الْمصَالح، وَإِن لم ينْطق عَلَيْهِ، ومست الْحَاجة إِلَى تَحْويل شَيْء أَو إخماله لكَونه مفضيا إِلَى تأذي بَعضهم من بعض أَو تعمقا فِي لذات الْحَيَاة الدُّنْيَا وإعراضا عَن الْإِحْسَان، أَو من المسليات الَّتِي تُؤدِّي إِلَى إهمال مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَنَحْو ذَلِك - فَلَا يَنْبَغِي أَن يخرج إِلَى مَا يباين مألوفهم بِالْكُلِّيَّةِ، بل يحول إِلَى نَظِير مَا عِنْدهم أَو نَظِير مَا اشْتهر من الصَّالِحين الْمَشْهُود لَهُم بِالْخَيرِ عِنْد الْقَوْم، وَبِالْجُمْلَةِ فَإلَى مَا لَو ألقِي عَلَيْهِم لم تَدْفَعهُ عُقُولهمْ، بل اطمأنت بِأَنَّهُ حق، وَلِهَذَا الْمَعْنى اخْتلفت شرائع الْأَنْبِيَاء ﵈.
1 / 186