لم أنو فعل أي شيء، وهذا جزء من السبب؛ فقط أريد أن أنعم بالسلام والهدوء. السلام! كان موجودا فيما مضى، في لوير بينفيلد. أخبرتك قليلا عن حياتنا القديمة هناك، قبل الحرب. لا أتظاهر أنها كانت مثالية، بل أستطيع القول إنها كانت فاترة وراكدة ورتيبة؛ إذ يمكنك القول إن أردت إننا كنا كحبات اللفت. ولكن اللفت لا يعيش في رعب من رئيسه في العمل، ولا يظل مستيقظا في الليل مفكرا في الركود الاقتصادي والحرب القادمين. لقد كنا ننعم بالسلام الداخلي. أعلم بالطبع أنه حتى في لوير بينفيلد قد تغيرت الحياة، ولكن المكان نفسه لم يتغير؛ فلا تزال هناك أشجار الزان حول منزل بينفيلد، ومسار جر القوارب المجاور لبورفورد وير، ومعلف الخيول في السوق. أردت العودة إلى هناك، فقط لمدة أسبوع، وجعل الشعور بالسلام يغمرني. كان الأمر أشبه باعتزال أحد الحكماء الشرقيين في الصحراء. وأعتقد أنه بالطريقة التي تسير بها الأمور، سيعتزل الكثير من الأشخاص الجيدين في الصحراء في السنوات القليلة القادمة. سيكون الأمر أشبه بروما القديمة التي كان يخبرني عنها العجوز بورتيوس، حيث كان العديد من النساك حتى إنه كانت ثمة قائمة انتظار للعيش بكل كهف.
ولكني لا أعني أنني أردت أن أعتزل لأمارس بعض أنواع التأمل؛ كالتأمل بالنظر إلى السرة الذي كان يمارسه الإغريق، بل كل ما أردته هو أن أستعيد قوتي قبل أن يأتي الزمان الصعب. هل لا يشك عاقل في أن الأوقات الصعبة قادمة؟ لا نعلم حتى ما الذي ستكون عليه، ولكننا نعلم أنها آتية. ربما تكون حربا أو أزمة اقتصادية - لا أحد يعلم، فقط ستمر علينا أيام سيئة. وأينما كنا ذاهبين، فنحن ذاهبون إلى الهاوية؛ إلى القبر أو إلى المجاري - لا أحد يعلم. ولا يمكنك مواجهة هذا الأمر إلا إذا كنت تتمتع بالإحساس الصحيح بداخلك، وهو شيء فارقنا خلال السنوات العشرين الماضية منذ الحرب. إنه كنوع من العصارة الحيوية التي رششناها حتى لم يتبق منها شيء. كل هذا التدافع هنا وهناك. تدافع أبدي من أجل حفنة من المال. ضجيج أبدي صادر من الحافلات والقنابل وأجهزة المذياع وأجراس الهاتف. تآكلت أعصابنا حتى دمرت، ونخرت عظامنا حتى اختفى نخاعها.
ضغطت بقدمي على دواسة الوقود، وقد أراحتني بالفعل فكرة العودة إلى لوير بينفيلد. تعرف الإحساس الذي كنت أشعر به، إنه هدنة لالتقاط الأنفاس! كسلحفاة البحر الكبيرة عندما تجدف إلى السطح، وتخرج أنفها من الماء لتملأ رئتيها بجرعة كبيرة من الهواء قبل أن تغوص للأسفل مرة أخرى، عائمة بين أعشاب البحر والأخطبوطات. كلنا نختنق في قاع صندوق قمامة، ولكنني وجدت الطريق للأعلى. إنه يتمثل في العودة إلى لوير بينفيلد! أبقيت قدمي على دواسة الوقود حتى وصلت السيارة القديمة إلى أقصى سرعتها بما يقرب من أربعين ميلا في الساعة. كانت تقعقع كصينية معدنية مليئة بالآنية الفخارية، وبدأت أغني وسط ضوضائها.
ولكن بالطبع ما كان يعكر صفو الأمر كان هيلدا. جعلتني تلك الفكرة أتراجع بعض الشيء، وأبطأت السيارة إلى عشرين ميلا في الساعة للتفكير في الأمر.
لا شك أن هيلدا ستكتشف الأمر عاجلا أو آجلا، فلكي أحصل على إجازة لأسبوع واحد في أغسطس، فعلي أن أحسن تجاوز الأمر معها. يمكنني أن أخبرها أن الشركة لم تعطني سوى أسبوع واحد هذا العام. ربما لن تطرح العديد من الأسئلة عن الأمر؛ لأنه سيروق لها أن توفر نفقات الإجازة. والطفلان، على أي حال، دائما ما يقضيان شهرا على الشاطئ. ولكن الصعوبة كانت في أن أجد حجة للتغيب لذلك الأسبوع في شهر مايو؛ فلا يمكنني أن أختفي دون إعلامها. فكرت في أن أفضل شيء هو أن أقول لها مسبقا إنه من المتوقع أن يرسلوني في العمل لمهمة خاصة إلى نوتينجهام أو ديربي أو بريستول، أو إلى أي مكان بعيد. وإذا أخبرتها بذلك قبل الإجازة بشهرين، فسيبدو أنه ليس لدي ما أخفيه.
ولكنها بالطبع ستكتشف الأمر عاجلا أو آجلا. ثق في هيلدا! ستتظاهر في البداية بأنها تصدقني، ثم بطريقتها الهادئة والعنيدة ستكتشف أنني لم أذهب إلى نوتينجهام أو ديربي أو بريستول أو أي ما كان. إنها تفعل ذلك بطريقة مذهلة، يا لها من مثابرة! إنها تظل صامتة حتى تكتشف كل نقاط الضعف في حجتك المزعومة، ثم فجأة عندما تذكر الأمر بالصدفة على إثر ملاحظة عابرة تنقض عليك، وتأتيك فجأة بملف القضية كلها، فتجدها تقول: «أين قضيت ليلة السبت؟ أنت تكذب! لقد كنت بصحبة امرأة. انظر إلى هذا الشعر الذي وجدته عندما كنت أنظف معطفك. انظر إليه! هل هذا لون شعري؟» ثم يبدأ المرح. حدث ذلك كثيرا. في بعض الأحيان تكون محقة في شأن أنني كنت بصحبة امرأة، وأحيانا أخرى تكون مخطئة؛ ولكن رد فعلها دائما واحد، وهو التذمر لأسابيع بلا توقف! ولا نجلس لتناول الطعام دون مشاجرة، والطفلان لا يفهمان ما يجري. ولكن أسوأ ما يمكنني أن أفعله هو أن أخبرها أين سأقضي ذلك الأسبوع بالفعل ولماذا؛ فإذا حاولت أن أشرح لها حتى يوم القيامة، فلن تصدقني.
ولكن، تبا! لم أشغل بالي؟ فما زال أمامي وقت طويل. تعلم كيف تختلف هذه الأمور بعد فعلها عن قبل فعلها. ضغطت بقدمي على دواسة الوقود مرة أخرى، وجالت في ذهني فكرة أخرى، فكرة أكبر حتى من الأولى. لن أذهب في شهر مايو، بل سأذهب في النصف الثاني من شهر يونيو، عندما يبدأ موسم صيد الأسماك غير المنتمية لعائلة السلمون، وسأذهب للصيد!
لم لا؟ فقد أردت السكينة، والصيد يبعث على السكينة. ثم خطرت ببالي الفكرة الأكبر، وكادت أن تنحرف بي عن الطريق.
سأذهب وأصطاد أسماك الشبوط الكبيرة في بركة منزل بينفيلد!
ومجددا، لم لا؟ أليس من الغريب كيف نعيش حياتنا، إذ نعتقد دائما أن الأشياء التي نريد فعلها هي الأشياء التي لا يمكننا فعلها؟ لم لا يجب أن أصطاد أسماك الشبوط تلك؟ ولكن بمجرد أن ذكرت الفكرة، ألم تبد لك شيئا مستحيلا أو شيئا لا يمكن حدوثه؟ لقد بدت لي كذلك، حتى في تلك اللحظة؛ فقد بدت لي كحلم واهم، كتلك الأحلام التي ترى نفسك فيها نائما مع نجمات الأفلام أو فائزا ببطولة الوزن الثقيل. ومع ذلك لم يكن الأمر مستحيلا على الإطلاق، بل لم يكن صعبا؛ إذ يمكنك أن تؤجر مكانا للصيد، فأيا كان المالك الحالي لمنزل بينفيلد، فسيسمح لي بالتأكيد بالصيد في البركة إذا دفعت له ما يكفي. يا إلهي! كم يسعدني أن أدفع خمسة جنيهات لقضاء يوم في الصيد في تلك البركة! ومن المحتمل كذلك أن يكون المنزل ما زال فارغا، ولا يعلم أحد حتى بوجود البركة.
ناپیژندل شوی مخ