وقلت: «لن أرجع إلى المنزل.» «بل ستفعل.»
قال سيد: «اقرص أذنه يا جو؛ فنحن لا نريد أي أطفال معنا.»
قال جو: «هل ستذهب إلى المنزل؟» «لا.» «اذهب إلى المنزل على الفور يا ولد! اذهب إلى المنزل على الفور.»
ثم أخذ يهاجمني، وفي اللحظة التالية كان يطاردني ويمسك بي بين الحين والآخر، ولكني لم أبتعد عن البركة وجريت في دوائر. ولكنه سرعان ما أمسك بي وأطاح بي أرضا، ثم جثا على عضدي وأخذ يلوي أذني، وهو ما كان عقابه المفضل لي الذي لم أكن أتحمله. أخذت أنوح في ذلك الوقت، ولكني لم أستسلم وأعده بالذهاب إلى المنزل؛ فقد كنت أريد البقاء وصيد السمك مع المجموعة. وفجأة، وقف الباقون في صفي وطلبوا من جو النزول عن صدري والسماح لي بالبقاء إن أردت. ومن ثم بقيت في النهاية.
كان معهم خطافات وخيوط صيد وفلينات وقليل من معجون الخبز في خرقة، وصنع كل منا لنفسه عصا من أفرع شجرة الصفصاف التي كانت في زاوية البركة. وكانت المزرعة على بعد مائتي ياردة فقط تقريبا، وكان علينا أن نختبئ جيدا لأن العجوز بروير كان يغضبه بشدة صيد السمك. لم يكن الأمر في الواقع يعنيه في شيء، فلم يكن يستخدم البركة إلا في إمداد ماشيته بالماء، ولكنه كان يكره الأولاد. كان الباقون لا يزالون يشعرون بالغيرة مني، وظلوا يطلبون مني أن أتنحى جانبا ويخبرونني بأنني ما أنا إلا طفل، وأنني لا أعرف شيئا عن الصيد. كما قالوا إنني أتسبب في جلبة ترعب الأسماك فتفر هاربة، على الرغم من أن جلبتي كانت أضعف بكثير من الجلبة التي كان يحدثها أي منهم. وفي النهاية، لم يسمحوا لي بالجلوس بجوارهم وأرسلوني إلى جانب آخر من البركة، حيث كان الماء ضحلا أكثر ولم يكن ثمة الكثير من الظل، وقالوا إن طفلا مثلي بالتأكيد سيظل يرش الماء ويرعب الأسماك فتفر هاربة. كانت رقعة رديئة من البركة حيث لا تأتي أي أسماك عادة. كنت أعلم ذلك، وبدا أنني علمت بشيء من الفطرة أماكن وجود الأسماك. ومع ذلك، كنت أصطاد في النهاية، إذ كنت أجلس على الضفة العشبية وقصبة الصيد في يدي، والذباب يطن من حولي، ورائحة النعناع البري النفاذة تكاد تفقدك الوعي، وكنت أشاهد الفلينة الحمراء تطفو على المياه الخضراء، وكنت فرحا بشدة على الرغم من أن آثار دموعي كانت لا تزال مختلطة بالأتربة وتغطي كامل وجهي.
الرب وحده يعلم كم من الوقت جلسنا في ذلك المكان. وكان الصباح يطول أكثر فأكثر، وتزداد حرارة الشمس على نحو متزايد، ولم يكن أحد منا قد اصطاد سمكة. كان يوما هادئا وحارا وصافيا ما يمكن من الصيد. طفت الفلينات فوق الماء دونما اهتزاز. وكان يمكنك أن ترى أعماق البركة كما لو كنت تنظر عبر زجاج داكن الخضرة. وفي منتصف البركة، كان يمكنك رؤية الأسماك تعوم أسفل السطح مباشرة وتتشمس، وفي بعض الأحيان في العشب المائي بالقرب من الجانب كان يأتي سمندل زاحفا لأعلى ويستقر هناك بأصابعه على العشب وأنفه خارج بعض الشيء من الماء. ولكن الأسماك لم تكن تمسك بالطعم. ظل الآخرون يصرخون بأنهم قد اصطادوا شيئا، ولكن ذلك لم يحدث قط. وامتد وقت جلوسنا أكثر فأكثر وازدادت حرارة الجو، وكاد الذباب يأكلني حيا، وكانت رائحة النعناع البري أسفل الضفة كرائحة متجر حلوى الأم ويلر. واشتد بي الجوع، وما زاد الأمر سوءا أنني لم أكن أعلم على وجه التحديد من أين سيأتيني غدائي، ولكني جلست ساكنا كالفأر ولم أصرف عيني عن الفلينة. أعطاني الآخرون بعضا من الطعم بحجم البلية تقريبا، وأخبروني أنه كاف لي، ولكني لوقت طويل لم أتمكن حتى من وضعه في خطافي؛ ففي كل مرة كنت أسحب فيها الخيط كانوا يسبونني لإحداثي ضجة تخيف السمك على بعد خمسة أميال.
أظن أننا قد مكثنا نحو ساعتين قبل أن تهتز فلينة صنارتي فجأة. وكنت أعلم أنني حصلت على سمكة. لا بد أنها سمكة كانت تمر بالصدفة ورأت طعمي. لا شك في حركة الفلينة عندما تأكل السمكة الطعم؛ فهي تختلف كثيرا عن حركتها عندما تشد الخيط من غير قصد. في اللحظة التالية تمايلت تمايلا حادا وكادت تغطس في الماء. لم أستطع تمالك نفسي أكثر من ذلك، فصرخت على الآخرين قائلا: «لقد اصطدت سمكة!»
صاح سيد لوفجروف على الفور: «تبا!»
ولكن في اللحظة التالية لم يكن ثمة شك في الأمر؛ فقد غطست الفلينة باستقامة أسفل الماء، وكنت ما زلت أستطيع رؤيتها تحت الماء، بلونها الأحمر المعتم، وشعرت بضغط القصبة في يدي. يا إلهي، يا له من شعور رائع! اهتز الخيط واشتد وبه سمكة في طرفه! رأى الآخرون قصبتي تتقوس، وفي اللحظة التالية ألقوا جميعا بقصباتهم واندفعوا ملتفين حولي. سحبت الصنارة سحبة كبيرة، وخرجت السمكة - سمكة فضية اللون كبيرة ورائعة - محلقة في الهواء. وفي هذه اللحظة، صحنا جميعا صيحة خوف. انزلقت السمكة من الخطاف وسقطت على النعناع البري أسفل الضفة، ولكنها سقطت في الماء الضحل حيث لا يمكنها الرجوع للبركة، وربما لثانية ظلت مستلقية هناك على جانبها بلا حول ولا قوة. رمى جو بنفسه في الماء، ورشنا جميعا بالماء، وأمسك بها بكلتا يديه صائحا: «أمسكت بها!» ثم رمى بها على العشب وكنا جميعا جاثمين حولها. يا له من منظر ونحن نحدق فيها بإعجاب! كان الكائن المسكين المحتضر يرفرف لأعلى ولأسفل، وكانت حراشفه تتلألأ بكل ألوان الطيف. كانت سمكة شبوط ضخمة يبلغ طولها سبع بوصات على الأقل، ولا بد أن وزنها كان ربع رطل. عجبا لصريخنا عندما رأيناها! ولكن بعد ذلك ببرهة أحسسنا كما لو أن ظلا قد سقط علينا، فرفعنا رءوسنا لنرى، وقد كان العجوز بروير يقف فوقنا بقبعته اللبادية المستديرة الطويلة - وهي واحدة من تلك القبعات التي اعتاد الناس ارتداءها والتي كانت بين القبعة العالية والقبعة المستديرة - ورباطي ساقيه المصنوعين من جلد البقر وعصاه البندقية اللون السميكة في يديه.
انكمشنا مرتعدين فجأة كما تفعل طيور الحجل عندما يحوم صقر فوق رءوسها. نظر إلينا واحدا تلو الآخر، وكان لديه فم عجوز كريه بلا أسنان، وكان يبدو منذ أن حلق لحية ذقنه كطائر كسار البندق.
ناپیژندل شوی مخ