فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
وهو معنى مشهور، لا يصح أن يجعل دليلا على نبوغ شاعر، على أنه ينسب للأحوص، وكذلك رأينا فيما ذكره من تسهيله وتقويله، واختصاره الخبر، ودقة معناه وصواب مصدره، إلى غير ذلك من الأوصاف العامة والنعوت التي لم تحدد، فلم يبق إلا أن ننظر في الصفات التي يظن أنه ابتدع ما أفصحت عنه، وابتكر ما دلت عليه. •••
وإني قبل ذلك ألفت نظركم إلى أن تلك الصفات يرجع بعضها إلى المعنى، وبعضها إلى اللفظ، وشيء منها إلى الأسلوب. وأريد بالمعنى هنا الفكرة الأساسية، التي يعد الشاعر مبدعا لها إذا سبق بها، كما يقولون: أول من طرد الخيال طرفة بن العبد في قوله:
فقل لخيال الحنظلية ينقلب
إليها فإني واصل حبل من وصل
وأريد باللفظ الكلمة المستعملة أول مرة في التعبير عن معنى معروف، كما يقولون: أول من قيد الأوابد امرؤ القيس في قوله:
وقد أغتدي والطير في وكناتها
بمنجرد قيد الأوابد هيكل
36
يريدون أنه أول من عبر عن السرعة بهذا التعبير. فأما الأسلوب - وهو الطريقة المثلى في الأداء - فإني لا أريد مناقشة المؤلف فيما يتعلق به، فقد كان للعرب قبل ابن أبي ربيعة بأجيال أسلوب سام بديع، ما زال الناس يقتفون فيه أثرهم، ويترسمون خطاهم، على أن أكثر ما يتعلق بذلك من تلك الصفات منتقد مزيف، وقد أشرنا إلى شيء منه في الملاحظات السالفة، فليتأمله الراغب في الفهم، والجانح للبيان. فمن الصفات المعنوية عفة المقال، التي مثل لها بقوله:
ناپیژندل شوی مخ