هكذا بدا لها الأمر، البقاء إلى الأبد أو العودة الآن وفورا، كان هو أول قرار حاسم في حياتها، أيكون النفط هو الذي أجبرها عليه؟ أو ربما ذكريات حياتها السابقة بدت أفضل مما كانت، وإن كانت للصفعات ذكرى كالعلامات السوداء، لكن ضرب النسوة كان أمرا طبيعيا، والرجل لا يكف عن الاستعانة بالسماء، تهمس له السماء من أعلى: واضربوهن، لم يكن لها أن تتوقع مستقبلا أفضل، إلا إذا تقبلت الضرب بكبرياء، وجعلت رأسها مثل رأس الإلهة سخمت مصنوعا من البرونز، وتدخل المطبخ شامخة بعنقها مثل الإلهة نفرتيتي، تقف أمام النار تبتلع الدخان في بطنها كأنما هي بطن الأرض، تختزن الألم كأنه الحبل، ثم تتعطر من الخارج لتخفي الرائحة، وتقاوم الرغبة في رفع ذراعها لتصفع الرجل، وتبتسم في وجهه كالملاك. - أيكون لك وجهان يا امرأة؟ - وأنت لك الضعف، أربعة وجوه، أليس كذلك؟
كانت قوة النفط لا تزال تتدفق، تدفعها من جديد إلى ما لا تريد، كانت عاجزة تماما عن إدراك ما هو الحب الرفيع وما هو الحب الوضيع، منذ الطفولة أدركت أشياء هامة لا يدركها أحد، عبثا حاولت أن تبحث عما تريد البحث عنه، ولم يكن الرجل إلا عقبة في حياتها مثل كثبان النفط. - إنه رجل مثالي لا يستجيب إلا لطلب السماء بضرب النسوة.
هكذا كانت تواسي نفسها، في أعماقها أرادت التوبة، أن تجعله يلعب دوره السماوي ويمنحها الغفران، في اجتماع النسوة سمعت صوت المرأة الشابة، يشبه صوتها حين كانت في عمرها إلا أنها لم تكن تخفي فمها بيدها كما كانت هي تفعل، تفتح شفتيها عن آخرهما وتبتلع الذرات السوداء كأنما هي لا شيء. - في غياب الحبل تلعب المرأة دور الأم، وتجعل من الرجل طفلا، فتمنحه دورا يلعب به.
لم تكن تعرف لماذا لم يرتفع بطنها، نساؤه الأربع أيضا بلغن اليأس بلا أمل، رفعن أيديهن للسماء يطلبن الحبل، نادين على جميع الأنبياء والقديسين بالاسم، لم يستجب إليهن أحد، نادين على الست الطاهرة وغيرها من القديسات دون جدوى. - أيكون الرجل هو السبب؟ - لا يمكن، ما دخل الرجل بحبل النسوة؟!
تحت ضلوعها أحست العضلة تنتفض، وفي رأسها عضلة أخرى تطرد الفكرة، هذا الطفح الأسود فوق وجهها ربما كان الفيض في حنان الأمومة، أو ربما هو الحنين إلى رحم الأم. - أتكون أمها قد دفنت حية في بطن الأرض، وهذا هو ما يدفعها إلى الحفر بالإزميل رغم استحالة الأمر؟
كان في مقدورها أن تدور حول الأرض وهي راقدة ثم تعود إلى النقطة ذاتها حيث كانت، والرجل أيضا كان هناك، عاد لتوه من العمل، لون وجهه ممتقع والنمش الأسود يزداد سوادا في وجهه. - هل وشيت بي؟ - ماذا تعني؟ - أعرف أنك تتحرقين شوقا للانتقام مني، لكني أحذرك، نحن شريكان في كل شيء، بل أنت كنت تحرضينني دائما ضد صاحب الجلالة، وكنت أقاوم إغواءك لي، بكل قوتي، وإذا أنا استسلمت يوما فلم يكن ذلك إلا بسبب اليأس من إصلاحك، أجل، إنك ضلع أعوج لا يمكن إصلاحه إلا بكسره.
كف صدرها عن الحركة وبدأت تختنق، إنه رجل بلا كبرياء، في حياتها السابقة كانت له رجولة أكثر، كانت تريد أن تصرخ بكلمات محبوسة تود الخلاص منها، كلمات ينبغي أن تلفظها قبل نهاية العالم، كلمات نابية، طعمها كالغثيان، تتمتم بها النسوة في الفراش مع الرجل، وكانت الحرارة قادرة على إذابة الحياء، وتنقلب الرذيلة إلى فضيلة بحركة من شفتي الرجل. - لا أريد أن يعرف أي أحد ما حدث، ذات يوم يمكننا أن ننسى كل شيء ونحتفل معا بعيد صاحب الجلالة، هاتي يدك في يدي.
ذراعه كانت ممدودة نحوها مثل العصا الطويلة، قبل أن تمد يدها كان قد قبض عليها بأصابعه، أصابع كبيرة تغطيها البقع ونتوءات فوق الجلد بلون النفط.
في الليل حاولت أن تحرر يدها من يده دون جدوى، وانقلبت على جنبها الآخر، أصبح وجهها للحائط. - أجل، غدا أهرب حين يخرج إلى العمل.
وهي تحملق في الحائط سقطت في النوم، رأت نفسها جالسة فوق الجسر تنتظر ظهور الأضواء، يدب الصمت حين تكتمل الظلمة، ثم تبدأ نقط الضوء تظهر من بعيد، تتكاثر كأنما تتوالد، بالآلاف أو الملايين، بلا عدد كالنجوم، تتجمع في شعاع أبيض يحلق في الأفق، يهبط فوق السطح، وتهمس الست الطاهرة في أذنيها. - هيه؟ ماذا فعلت حتى الآن؟! أترقدين هكذا مثل بقرة مريضة؟!
ناپیژندل شوی مخ